كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يقف لبنان على بُعد يومين من عقد البرلمان الجلسة الثانية عشرة المحددة (الأربعاء) لانتخاب رئيس للجمهورية، التي لن تبدّد الاعتقاد السائد بأنها لن تكون بخلاف سابقاتها من الجلسات، وفق مصادر سياسية مواكبة لحماوة المنازلة بين مرشح «محور الممانعة» زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ومرشح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور، الذي تقاطعت المعارضة مع «التيار الوطني الحر» على دعمه.
ووفق المصادر فإن الجلسة ستنتهي إلى تمديد الشغور الرئاسي إلى أمد تتوقف مدته على إنضاج الظروف الدولية والإقليمية لتشكّل رافعة لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزّم.
فدعوة رئيس البرلمان نبيه بري النواب لانتخاب رئيس الجمهورية تستدعي السؤال، من وجهة نظر المصادر السياسية، عما إذا كانت الظروف مواتية لانعقاد جلسة الانتخاب في دورتها الأولى في حال أن محور الممانعة توصّل إلى قناعة مدعومة بالأرقام بأن أزعور سيحظى بتأييد الغالبية النيابية المطلقة، أي 65 صوتاً بشرط تأمين حضور أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان، أي النصاب القانوني لانعقادها؟
تطيير الجلسة
ويؤكد مصدر قيادي في الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط» أن محور الممانعة يستبعد حصول أزعور على هذا الرقم، وأنه سينزل بكل ثقله لمنعه من أن يسجل رقماً يتقدّم فيه على فرنجية بفارق وازن من أصوات النواب، كاشفاً قدرته على تطيير الجلسة في دورة الانتخاب الثانية.
ويلفت المصدر القيادي الشيعي إلى أن الثنائي «الحزب» وحركة «أمل» سيعمل على تعطيل الدورة الثانية من جلسة الانتخاب، وأنه لن يخجل بمقاطعته لها ولا يكترث لردود الفعل، و«هذا ما قلناه على المكشوف، ويأتي من ضمن خياراتنا الدستورية». ويؤكد أن محور الممانعة لا يزال يتمسك بترشيح فرنجية، رافضاً التخلي عنه.
ويتوقّف أمام تقاطع المعارضة مع «التيار الوطني الحر» على ترشيح أزعور، ويقول: نحن لا نشغل بالنا في تعداد الأصوات، ما دام أن دورة الانتخاب الثانية لن تُعقد. مع أن البوانتاج الذي أجراه الفريق الآخر يفتقد إلى الدقة وسيكتشف أن حساباته في غير محلها، في إشارة مباشرة إلى ثقته بتصويت نائبي حزب «الطاشناق» لفرنجية.
وفي هذا السياق، تقول المصادر المواكبة إن المنافسة ستبقى محصورة بين أزعور وفرنجية، وإن الفريق المتردد من النواب الذي يتموضع حالياً في المنطقة الرمادية بين محور الممانعة والمعارضة، ليس في وارد الاتفاق على خوض المنافسة باسم مرشح من خارج الاصطفافات السياسية. وتؤكد أن لدى هذا الفريق وجهتي نظر: الأولى تفضّل حالياً عدم خوض المعركة وتفضل الاقتراع بورقة مرمّزة، فيما الثانية تميل إلى تأييد مرشح، لكنها اصطدمت بطلب الوزير السابق زياد بارود بعدم إسقاط اسمه في صندوق الاقتراع، مع أنه كان أجرى مروحة من الاتصالات لم تكن محصورة بالنواب التغييريين وشملت آخرين للوقوف على رأيهم في خوضه للمعركة. وتعترف بأن بارود ليس في وارد الخروج من السباق الرئاسي، لكنه يترك لنفسه اختيار الوقت المناسب لحسم خياره.
وتقول إن الموقف نفسه ينسحب على النائب نعمة أفرام الذي كان أعلن وزميله في كتلة «مشروع وطن الإنسان» جميل عبود تأييدهما لأزعور؛ مراعاة منهما لموقف الغالبية المسيحية في البرلمان، وتردد أنه أبلغ موقفه إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي. وتكشف أن أفرام لم ينقطع عن التواصل مع أبرز القوى المنخرطة حالياً في الاصطفافات السياسية، وتؤكد أنه على تواصل مع الثنائي الشيعي، وأيضاً «اللقاء الديمقراطي»، وهو التقى رئيسه تيمور جنبلاط بحضور عضو «اللقاء الديمقراطي» وائل أبو فاعور. وذلك لحسم موقفه من الترشّح بعد أن ألمح إليه في أكثر من مناسبة، وتقول إن السؤال عن طبيعة المرحلة السياسية ما بعد تعطيل جلسة الانتخاب، وإن الجواب عليه يكتنفه الغموض والضبابية ما لم نتريّث للوقوف على ردود الفعل الدولية والإقليمية حيال تعطيل انتخاب الرئيس، رغم أن السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو وصلت أمس إلى بيروت استعداداً لجولة من اللقاءات ستعقدها اليوم وغداً مع القيادات السياسية، في إطار استكشافها للمواقف تحضيراً للزيارة المرتقبة للموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، التي تأتي بعد تعطيل الجلسة ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه متسلحاً هذه المرة بخريطة طريق لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد، مع أن الأطراف السياسية بادرت إلى استباق زيارته بإجراء الاتصالات للتأكد ما إذا كان يحمل مبادرة إنقاذية بدعم من الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية، أم أنه يتحرك لإعادة تعويم المبادرة الفرنسية إنما بتوجّه جديد؟
موقع قائد الجيش؟
ويبقى السؤال عن موقع قائد الجيش العماد جوزيف عون في عداد المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية، رغم أنه لم يعلن ترشحه وينصرف إلى إدارة شؤون المؤسسة العسكرية وتدبير ما تتطلبه لتأمين صمودها في مواصلتها إلى جانب القوى الأمنية الأخرى في الحفاظ على الاستقرار. لكن هذا لا يمنع الأطراف المعنية بالملف الرئاسي من الرهان عليه ليكون مرشحا رئاسيا، خصوصاً وأن قوته في صمته، رافضاً، كما تقول المصادر السياسية، الدخول في سجال مع أحد أو انخراطه في لعبة المنافسة بصورتها الراهنة، وإن كان اسمه بوصفه مرشحا سيعود إلى الواجهة من بابها الواسع رداً على تعطيل جلسات الانتخاب.
بدورها، تؤكد المصادر أن العماد عون يبقى مرشح اللحظة السياسية التي من شأنها أن تضع المعنيين بانتخاب الرئيس في مأزق لا يمكنهم الخروج منه إلا بالالتفاف حول المرشح الذي لا ينتمي إلى المنظومة السياسية، فهل أصبحت الظروف مواتية لانتخابه، وهو من يحظى بتقدير دولي وعربي على خلفية عدم انحيازه إلى فريق ضد الآخر؟
وعليه فإن مجرد تعطيل جلسة الانتخاب وإلحاقها بالجلسات السابقة سيفتح الباب أمام تمديد الفراغ الرئاسي، وإن كانت قوى المعارضة ستخرج منها بتسجيل نقطة في مرمى محور الممانعة، إذا ما لجأ إلى تعطيلها في دورتها الثانية؛ تحسباً لحصول مفاجأة لم يكن يتوقعها، بخلاف حساباته الرقمية في تعداده لتوزيع الأصوات على أزعور ومنافسه فرنجية. فهل يتحمّل محور الممانعة وزر ردود الفعل الدولية على تعطيله الجلسة؟ أم أنه بات على ثقة بأن ما يعلنه النواب من مؤيدي أزعور في العلن لن يجد طريقه إلى صندوق الاقتراع؟