22-نوفمبر-2024

فادي عبود – الجمهورية

هناك حديث في لبنان عن وجود مصارف أجنبية تُبدي رغبتها بالدخول إلى السوق المصرفي اللبناني، وهناك تخوف لدى المصارف اللبنانية من إمكانية حدوث ذلك لأنه ستكون هناك ثقة كبيرة بها خصوصاً مع فقدان الثقة بالمصارف المحلية نتيجة الممارسات الملتوية التي فرضتها على المودعين خلال السنوات الاربع الماضية.

تمتلك المصارف اللبنانية فرصة اليوم لإعادة الثقة بها لدى المودعين قبل دخول مصارف جديدة على القطاع المصرفي. واعادة الثقة تبدأ بإعادة ما تبقى من الودائع حالاً الى اصحابها والتوقف عن الوسائل الملتوية في ادارة القطاع المصرفي. وكذلك مصارحة المودعين حول الواقع الحقيقي لِما جرى وكيف تم التصرف بودائعهم لأن لا ثقة ستُبنى مجدداً اذا لم يعرف المودع الحقيقة كاملة.انّ المصارحة الحقيقية تكون كالآتي:

ـ أولاً، كل مصرف عليه ان يعلن: كم كانت قيمة الودائع في ذمته في 17 تشرين 2019؟ ما هو القسم من هذه الودائع الذي كان في ذمّة المصرف ولكنه مودع في المصرف المركزي؟ ما هو سبب وجود هذا القسم من الودائع في المصرف المركزي؟ وهل هناك قانون يسمح بذلك؟ كم أرجَع المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟ كم أعطاه المصرف المركزي فوائد؟ كم تقلّصت الودائع منذ التاريخ المشؤوم حتى اليوم، عن طريق الوسائل الملتوية التي اعتمدتها المصارف خلال هذه الفترة وبمباركة المصرف المركزي؟.

هذه المعلومات يجب ان تتمّ مقارنتها بالحسابات الموجودة في المصرف المركزي للتأكّد من مطابقتها.ثانياً، إذا أردتم ان تخففوا غضب الناس عليكم، بادروا حالاً الى إرجاع ما تبقّى لديكم من هذه الودائع لأصحابها بدل الاستمرار في تقليصها.

ـ ثالثاً، إفتحوا دفاتركم واسمحوا بالتحقيق لتحديد المسؤولية بينكم وبين المصرف المركزي، عن القسم الذي ضاع في المصرف المركزي كما تدّعون، وانني متأكّد من انّ الناس لن تطالبكم انتم بالمبالغ التي هدرها «المركزي» والدولة، بل ستطالب «المركزي» والدولة بإرجاع هذا القسم بعد التأكّد من الارقام وتحديد المسؤوليات الحقيقية عن القسم المفقود من الودائع. فكل طرف سيُطالَب بتحمّل مسؤولية ما أضاعه. فلا يتوهمنّ احد انّه سيتمّ السكوت عن أي جزء من هذه الودائع المتبقية او القسم الذي تمّ نهبه.ـ رابعاً، عليكم ان تفهموا انّ الاموال ضاعت بينكم وبين المركزي، ولكننا لم نرَ احداً منكم عاجزاً عن دفع قسط مدرسة، او الخضوع للعلاج، بل على العكس نراكم انتم مع المسؤولين السابقين عن الاموال، تعيشون في رفاهية وبذخ. وبالتالي، وضعكم لا يشابه وضع المودعين، لقد نجحتم بتكبير ثرواتكم والحفاظ عليها.

خلال الاسبوع المنصرم أصدرت القاضية الفرنسية مذكرة توقيف في حق الحاكم رياض سلامة بعد أن عجز القضاء اللبناني عن تسلّم زمام الامور في التحقيقات وفي تبليغ سلامة، وتعتبر هذه المذكرة صفعة للنظام القضائي برمّته الذي وقف عاجزاً خلال اربع سنوات يتفرّج على مآسي وتعتير الشعب اللبناني الذي وقع رهينة بين ايدي الحاكم والمصارف اللبنانية.ونسأل كيف يقف القضاء اللبناني عاجزاً امام الظلم الرهيب الواقع على الناس والمودعين؟ كيف يقف القضاء اللبناني متفرجاً على المودعين وعائلاتهم وهم عاجزون عن تأمين التعليم والطبابة لعائلاتهم فيما يتم قَضم ودائعهم امام أعينهم على يد المصارف المستمرة بوسائلها الملتوية، في حين ان القضاء الاوروبي يتحرّك ويقوم بالتحقيقات؟

كيف يعجز القضاء اللبناني عن الوصول الى ملفات أساسية وتقارير مدققة للمصرف المركزي، وملفات المصارف اللبنانية ولا يسعى لإحقاق العدل في واحدة من اكبر المؤامرات المالية التي مورِست على شعب؟ كيف لا يرى القضاء اللبناني الجرائم المالية التي ارتكبت على مدى ثلاثة عقود ويسعى للمحاسبة وإحقاق العدل؟ بل يُسارع الى كف يد قاضية تحاول على الاقل تحقيق خرق في هذا المجال، ولأسباب تافهة مقارنة بحجم الجرائم المرتكبة وحجم الظلم الواقع، يتم إيقافها عن المضي في عملها بحجة عدم طلب إذن سفر، او تخلّف عن حضور جلسة فيما الجرائم المرتكبة تدمّر حياة ومستقبل الكثيرين.

ونتوجّه الى القضاة اللبنانيين بالقول، نعرف ان الضغوط عليكم كبيرة، في مواجهة فساد سياسي متجذر ومسيطر، والشفافية المطلقة هي السبيل الاساسي لاقتلاع جذوره وانهاء سيطرته، لذلك طالبوا بالشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة لأنّ هذه المُطالبة ستريحكم وتخفف عنكم الضغوط وستكون الشفافية اداة اساسية بين ايديكم. ونتوجه تحديدا الى القاضية غادة عون، بعد المعاناة في الاستحصال على الحقائق والارقام والضغوط الكبيرة نأمل ان تكون الشفافية المطلقة مطلبك الاول.