25-نوفمبر-2024

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

بات بحكم المؤكد أنّ عقبتين اثنتين تقفان حائلاً دون انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية: رفض الكتلتين المسيحيتين الأبرز والأكبر تأييد ترشيحه، وغياب الغطاء السعودي المباشر والذي يجعل النواب السنة في حيرة من أمرهم في ظل غياب المرجعية السنية الوازنة التي يمكن أن توحد صفوفهم، أو الزعامة التي يحتكمون لقرارها.

كان هناك لقاء يتيم ذاك الذي جمع قبل أشهر وبعد الإنتخابات النيابية مباشرة أحد عشر نائباً سنياً في حضرة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. كان المأمول من مثل هذا التجمع أن يشكل كتلة نيابية سنية وازنة تستظل رئاسة الحكومة وتقوى بها وتقوّيها. لم يتبقَ من المجتمعين إلا مجموعة تلتقي بشكل متقطع مع ميقاتي بحجة بحث مطالب مناطقية، وهم النواب نبيل بدر وعبد العزيز الصمد ووليد البعريني وأحمد الخير، شكلوا رأس الحربة في الدفاع عن صلاحية رئيس الحكومة. والنائب الخير هو الذي أعد مضبطة اتهام للمرشح فرنجية حول مواقف اعتبرها ملتبسة عن الثلث المعطل والمداورة. بفاصل زمني قصير إلتقى النواب السنة في دار الفتوى. نجح المفتي عبد اللطيف دريان بجمعهم في مجلس واحد لكن ليس حول كلمة سواء تجمعهم كتكتل. ومثله فعل السفير السعودي وليد البخاري الذي استضافهم لساعات إنقطع بعدها التواصل إلا بالمفرق.

ومنذ ذلك الحين أخذت تتمظهر بين وقت وآخر تكتلات نيابية سنية لا يزيد عددها على نائبين اثنين يلتقيان ليعلنا بيانات طنانة رنانة بمضمون ينبّه الآخرين إلى وجودهم. نواب آخرون لم يعد بإمكانهم نفي تبعيتهم إلى كتل نيابية مسيحية والتماهي معها في المواقف واللقاءات. وحده تكتل «الإعتدال» والذي يضم أربعة نواب سنّة وعلوياً وارثوذكسياً يمكن أن يشكل حيثية وحضوراً لا يمكن التغاضي عنهما.

وفي فترة حاول النائب فؤاد مخزومي تزعمهم فدعاهم الى لقاء جامع، قصد دار الفتوى بعده مباشرة، وأوحت خطوته وما أعقبها من مواقف أدلى بها وكأنه تقصد القول إنّه يترأس كتلة سنية وازنة فجاء على أثرها من يتمنى عليه صراحة عدم تسليف هذا اللقاء لأي جهة ولا إعطائه أبعد من حجمه. وفي شهر رمضان الماضي حلّ النواب السنة على مآدب إفطار ملبين دعوة زميل لهم في محاولة لتشكيل كتلة واحدة متراصة ولم يتوج البحث بخطوات عملية.

تسبب تعدد الرؤوس عند السنة، وغياب المرجعية في تراجع الحضور إلى حد الضمور. إنتظر النواب السنة تحرك السفير السعودي وليد البخاري لتخريج موقف بلاده والبناء عليه ليشكل خارطة طريقهم الرئاسية داخل البرلمان، لكنّه ضاعف إرباكهم فغدا وضعهم بعد جولات البخاري كما قبلها من ناحية اللاقرار. تقول مصادرهم إنّ النواب السنة يترقبون موقف رئيس «الإشتراكي» وليد جنبلاط للتماهي معه «طالما لم يكوّع فلمَ نستبق تكويعته».

منذ انتخابات اللجان وجلسات البرلمان لاحقاً ولا سيما منها جلسات انتخاب الرئيس برز تشتت النواب السنة وهشاشة وضعهم، وعلى أبواب الإستحقاق الرئاسي بات يتمّ التعاطي معهم بالمفرق لا بالجملة.

ينقسم النواب السنة في البرلمان وعددهم سبعة وعشرون بين تكتل الإعتدال (في عداده أربعة سنة) وهم على تنسيق ولو متقطع مع «تكتل المستقلين» ويضم النائبين نبيل بدر وعماد الحوت، وتسعة نواب ملتزمين التحالف مع «الثنائي»، ونواة كتلة «إنقاذ الوطن» التي تجمع النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، وهناك النواب المستقلون الذين يتلاقون بالمفرق ويختلفون بالجملة. واقع الإنقسام والتباعد أقرب إلى الواقع المسيحي مع فارق أنّ المسيحيين موزعون على كتلتين كبيرتين وثالثة صغيرة ومستقلين يتلاقون مع هذه الكتلة المسيحية أو تلك ويتعاطون على القطعة.

ولغايات متصلة برئاسة الحكومة يحاول البعض التمايز وعدم الإنجرار خلف مواقف متصلبة أو التماهي نهائياً مع حلفائه، ويبرز من بين هؤلاء النواب عبد الرحمن البزري وفيصل كرامي وفؤاد مخزومي. والأخير يتعاطى خلف الكواليس ومن خلال إتصالاته وكأنّ رئاسة الحكومة مضمونة لصالحه أو نال وعداً بها لا سيما بعد زيارته الأخيرة الى أميركا. تلميح فرنجية له في مقابلته الأخيرة طرح علامات استفهام لدى زملائه من النواب السنة عما إذا كان هناك قطبة مخفية تطبخ في الكواليس تتعلق برئاسة الحكومة.

إنقسام النواب السنة بالشكل الراهن لا يمنحهم صفة بيضة القبان ولا يجعلهم الكفة المرجحة رئاسياً، وهذا التوصيف ينطبق حتى على النواب المستقلين وكل منهم يغني على ليلاه ويجعل موقفهم مجتزأ. ولكن محاولات جمعهم على أبواب الإنتخابات الرئاسية لم تتوقف. وبين الحين والآخر تحصل محاولات متواضعة للم الشمل لا يكتب لها النجاح. ومن المتوقع أن يلبي عدد من النواب السنة دعوة «تكتل الإعتدال» إلى عشاء يحضرة السفير البخاري وسيكون ملف الرئاسة طبقاً رئيسياً على طاولة البحث.

على طرفيْ الممانعة والمعارضة ثمة تعويل مخفي على النواب السنة. يعتبر «الثنائي» أنّ بإمكانه استمالة عدد كبير منهم يزيد على عدد حلفائه، بينما تعتبر المعارضة أنهم أقرب إلى مواقفها ويتماهون معها بغالبيتهم. لا يمكن الحديث عن السنّة في لبنان بمعزل عن حضور سعد الحريري وطيفه الحاضر بينهم وفي كواليسهم حيث يتحدث البعض عن كتلة وازنة لا تزال تراهن على حضوره وتميل للتماهي مع مواقفه أو ميوله السياسية بالسر تجنباً لتحميله وزر توجهاتها. كما لا يمكن إغفال أنّ غيابه تسبب في تشتت الطائفة السنية التي لم تجد لها بديلاً عنه حتى اليوم أو ربما لم تتقصد فعل ذلك بعد.