22-نوفمبر-2024

جاء في “الراي” الكويتية:

كلما وُضع ملف إقليمي على طريق «نزْع أشواكه» وبقيَ لبنان يتخبّط في أزماته، ازدادت الخشيةُ من أن يَمْضي الوطن الصغير خلف «الأسلاك الشائكة» التي شكّلت في «نسختها» الممتدّة منذ 2005 امتداداً لـ «فالق» الصراع الكبير في المنطقة الذي عاود تحريكَ تناقضات لبنانية لم يطْوِها انتهاء الحرب الأهلية التي لم تُمحَ ترسيماتها بالكامل وإن تبدّلت «خطوطُ تَماسها».

وفيما كانت بيروت تستعيد أمس الذكرى 15 لـ 7 أيار 2008 الذي انطبع بما عُرف بـ «غزوة حزب الله» لبيروت ومحاولة اقتحام الجبل والذي شكّل أوّل تطور كاسِرٍ للتوازنات «بالنص» عبر اتفاق الدوحة الذي انتزع فيه الحزب وحلفاؤه ثلثاً معطّلاً في الحكومات اعتُبر بمثابة إرساء «مثالثة مقنّعة» في النظام مهّدت للإفراج عن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية (25 أيار 2008)، كان 7 أيار 2023 ينطبع بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية بعد أكثر من 11 عاماً مستفيدةً من وقائع ميدانية حجزتْ معها طهران لنفسها ولمحورها عبر أذرعها «ثلثاً معطلاً» وأكثر في المنطقة.

وإذا كانت استعادة سورية مقعدها في الجامعة تفيأتْ تحوّلاتٍ كبرى في المنطقة التي انتقلتْ من «تمزيقِ الخرائط» في سياق حربِ النفوذ والأدوار إلى «خياطة الجِراح»، وإن على قاعدة دفتر شروط وُضع لدمشق لبلوغ حلّ متكامل للأزمة السورية وفق مبدأ «الخطوة مقابل خطوة» وارتكازاً على قرار مجلس الأمن 2254 وبيانيْ اجتماعيْ جدة وعمان، فإنّ هذا المسارَ المتدرّج من «إخماد النيران» في الساحات الملتهبة لا يشي بأن تصيب تأثيراته الإيجابية «بلاد الأرز» أقلّه في المدى القريب، وسط اعتقادٍ بأن الآثار العميقة لـ 7 أيار 2008 ضيّقت هوامش التسويات التي تتيح أن يُحكم لبنان بقوة التوازن وليس موازين القوى المختلّة لمصلحة «حزب الله».

وفي حين التقط لبنان الرسمي أنفاسَه بعدما تم ضمّه إلى لجنة اتصال وزارية مكوّنة من الأردن، السعودية، العراق، ومصر والأمين العام للجامعة العربية مهمتها «متابعة تنفيذ بيان عمان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للأزمة يعالج جميع تبعاتها»، وذلك بعدما غاب عن كل الحِراك السابق حول هذه الأزمة التي يُعتبر من أشدّ المتأثرين بها عبر عبء النزوح، فإنّ مسارَ «تصفير المشكلات» في المنطقة بدا أبعد من أن يفعل فعله على الساحة المحلية المأخوذة بمأزق الانتخابات الرئاسية التي من السوريالية أن يتحوّل وقوف دول معنية بالواقع اللبناني بإزائها سواء على الحياد أو «بصفة مراقِب»، عاملاً سلبياً في ضوء مسألتين:

الأولى قصور الأطراف اللبنانية عن إعلاء المصلحة الوطنية فوق حسابات الصراع، سواء بمعناه الاستراتيجي الذي ارتُهن لبنان له منذ 2005، أو السلطوي الضيّق، وعدم ممانعتها المضي بالحروب الصغيرة ولو فوق «أشلاء» الدولة وحتى آخِر رمَق لآخِر لبناني.

والثاني ما سبق أن نبّهتْ منه قوى في ما كان يُعرف بـ 14 آذار من أن الإفراط في التعامل بـ «واقعية سياسية» مع الوقائع التي فُرضت بالقوة في الأعوام الـ 18 الماضية وما شهدتْها من قضْم ممنهَج لتوازنات النظام وتفريطٍ بنقاط «القوة والصمود» التي كان يشكّلها وجود معارضة عابرة للطوائف وبعناوين سياسية – سيادية واضحة، سيعني في لحظة حصول متغيرات في الصراع الإقليمي وانتفاء أو «انطفاء» دور «حزب الله» كـ «مشكلة إقليمية» أن يبقى «مشكلة لبنانية» يُخشى أن يكون القطار فات على تفكيكها بما يسرّع في شفاء «بلاد الأرز» من أزماتها المالية والسياسية المتشابكة.

وهذا البُعد تحديداً هو الذي يخيّم على مآلات الأزمة الرئاسية التي لم «يتآلف» الداخل بعد مع معاني تأكيد أن كرتها في ملعب اللبنانيين «كي يساعدوا أنفسهم ليساعدهم الخارج»، حيث يستمرّ التمعّن الزائد في التحولات الإقليمية ومآلاتها وانتظارُ «وصفة سحرية» خارجية في حين أن عواصم القرار أعلنتْ أن «الترياق في لبنان» حيث تحتدم المناورات والأفخاخ تحت مسميات الحوار وشروطه.

وفي الإطار بقي التركيز على حركة السفير السعودي وليد بخاري الذي كان زار مساء السبت رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، معلناً «لطالما أكدنا أن الحلول المستدامة تأتي من داخل لبنان وليس من خارجه».

وقد أوضح النائب وائل أبوفاعور الذي حضر اللقاء «أن السفير بخاري عاود تأكيد ثوابت الموقف السعودي إذ إن المملكة تدعو الى انجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت وبتوافق اللبنانيين وذلك من أجل تفادي المزيد من الانهيار، وهي ليس لديها أي مرشح للرئاسة ولا فيتو لها على أي مرشح بل تتمنى توافق اللبنانيين وتعتبر الاستحقاق الرئاسي استحقاقاً سيادياً لبنانياً».

بدوره أوضح النائب بيار بوعاصي، الذي كان شارك في لقاء السفير السعودي مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل 5 أيام، أن بخاري «أتى لنقل رسالة شفوية من المملكة للأطراف اللبنانية مفادها، ما نكرره دائماً، بأن الشأن الرئاسي اللبناني أمر سيادي يتعلق بالطبقة السياسية، وبالتالي المملكة، لم ولن تتدخل فيه لا سلباً ولا ايجاباً، وهذا تكريس لموقف حيادها، وقد اتخذت صفة المراقب والمحايد للعملية السياسية».

بوعاصي الذي تمنى لو أن «كل القوى الإقليمية والدولية تتخذ موقفاً مماثلاً»، أشار إلى أن «التأثير الخارجي يتطلب القدرة والنية، والسعودية لها القدرة ولكن لا نية لديها، أما ايران فتملك الأمرين معاً، وزيارات (الوزير حسين أمير) عبداللهيان خير دليل، والجميع يعلم مدى قوة تأثير بلاده على حزب الله».

وأضاف: «الثنائي صوّت بورقة بيضاء وعطل العملية الدستورية المؤسساتية لأشهر، ولو أرادت إيران فعلاً تسهيل الاستحقاق الرئاسي، لكان انعكس ذلك ايجاباً على حزب الله، فالموقف الأفضل عندها يتمثل باتخاذها الحياد، إلا أن المواقف الأخيرة للنائب محمد رعد مؤشر واضح على عدم رغبتها بذلك، باعتبار أن الحزب لا يمكنه التصعيد الى هذا الحدّ من دون الغطاء الايراني. وندرك جيداً أهمية لبنان والحزب بالنسبة إليها، فهي تستثمر استراتيجياً فيه ولن تدعم أي موقف إلا إذا عزّز وضع الحزب».