23-نوفمبر-2024

كتبت فاتن الحاج في “الأخبار”:

الحركة داخل دوائر وزارة التربية تشي بأن الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية العامة باقية، بالقوة أو على «التساهيل»، وبتمويل لم يأت بعد، ووسط تفاوت صارخ في التحصيل الأكاديمي بين المدرسة الخاصة والمدرسة الرسمية وداخل كلّ من المدرستين. وهو واقع دعا أساتذة للقول إن «الاستحقاق سيسمح باصطياد عصفورين بحجر: إجراء امتحانات ميسّرة لا يرسب فيها إلا من لم يمرّ في محاذاة سور المدرسة، وتوفير التعويضات المالية للمسؤولين في الوزارة ولجان الامتحانات، وهذا مربط الخيل».

شهران فقط يفصلان عن الموعد الافتراضي للاستحقاق، وهو الأسبوع الأول من تموز. لا تفاصيل دقيقة حتى الآن عن آلية تنظيم الامتحانات، وبرنامج الامتحانات وما إذا كان سيجري اعتماد المواد الاختيارية أم لا، وغيرها من القرارات التي يصدرها، في العادة، وزير التربية ولا تحتاج إلى مرسوم، في حين أن مرسوم إشراك أساتذة التعليم الخاص في كلّ أعمال الامتحانات من وضع الأسئلة، إلى مراقبة الصفوف، والتصحيح وإصدار النتائج، الصادر العام الماضي، لا يزال ساري المفعول.

حالياً، تنتظر وزارة التربية إنجاز المركز التربوي للبحوث والإنماء لتقليص إضافي للمواد الدراسية المقرّرة، يفترض أن يصدر في وقت قريب، كي تحدد مسار الامتحانات، وهي لا تزال تفاوض، على خط مواز، الجهات المانحة على مبلغ مليونَيْ دولار لتسيير تنظيمها، إضافة إلى مبلغ 24 مليار ليرة (الموازنة الرسمية للامتحانات)، أي ما لا يتجاوز 240 ألف دولار.
المعلومات تفيد بأن المركز يتجه إلى حصر السنة الدراسية بـ13 أسبوعاً كما كان عليه الحال، العام الماضي، علماً أن بعض المدارس الخاصة أنجزت برامجها، وبعضها الآخر يراهن على التقليص، في حين أن بعض الثانويات الرسمية لم تداوم أكثر من 37 يوماً هذا العام، ومنها من درّس حتى الآن ستة أسابيع، أو عشرة بالحد الأقصى.

«الكلّ ناجح»
«التعليم الثانوي الرسمي أمّ الصبي»، هذا ما يفترضه الأساتذة الثانويون «المتخلّفون» قسرياً عن الالتحاق بثانوياتهم بسبب تعنّت الدولة في إعطائهم حقوقهم. «طلابنا غير جاهزين للامتحانات»، هذا ما تقوله النقابية في التيار النقابي المستقل، فاتنة دلال، مشيرة إلى أن 70% من الثانويات الرسمية في حالة تعثر، وليس صحيحاً ما يُحكى إعلامياً أن التعليم انتظم، سائلة: «بماذا سيمتحنون طلاباً داوموا حتى الآن 37 يوماً؟». وتردف: «لا قيمة لامتحانات غير عادلة تضرب التعليم الرسمي وقوامها الكلّ ناجح، فيما الأصداء التي تصلنا من الجامعات غير مشجّعة عن المستوى المريب للطلاب في التحصيل الأكاديمي». نسأل ما هو البديل؟ فتجيب أن الحل هو إعطاء الحقوق، مستغربة الإصرار على امتحانات البريفيه التي تكلف 150 مليون دولار، علماً أنها شهادة لا يعتد بها في أي وظيفة. بحسب دلال، لم تضع الحكومة خطة طوارئ ولم تدرج التعليم في رأس سلم أولوياتها، وكان الحريّ بها أن تجيّر عشرات ملايين الدولارات التي دفعتها لقطاع الكهرباء مثلاً للأساتذة. وفيما ترفض تحميل أي أستاذ مسؤولية هدر هذا العام، تلفت إلى أن الامتحانات في خبر كان، والضغوط التي تمارس ليست نابعة من اعتبارات تربوية، إنما تصبّ في إراحة المدرسة الخاصة، و«تنفيع» بعض المسؤولين الذين يعملون في الامتحانات ويتقاضون تعويضات. وتعتقد أن الطلاب سيقفون في وجههم هذه المرة، في حال إجراء الامتحانات وسيقفلون المراكز.

عام دراسي أعرج
عضو لجنة الأساتذة الثانويين المنتفضين، صادق الحجيري، يؤكد الحرص على إجراء الامتحانات الرسمية شرط إعطاء الحقوق، باعتبار أن الموقع الطبيعي للأستاذ هو الصف وليس الشارع أو المنزل، لكنه يوافق على أن العملية التعليمية لا تزال عرجاء في التعليم الثانوي الرسمي، باستثناء عدد محدود من الثانويات التي تعرّض فيها الأساتذة لضغوط وعُرضت عليهم إغراءات مادية، محمّلاً الدولة مسؤولية كل ما يحصل، «فالأساتذة مستعدون للتضحية لا أن يصبحوا هم الأضاحي مع رواتب تتبع مساراً انحدارياً وسط عدم تثبيت سعر صيرفة، إذ لا يتجاوز معدلها اليوم مع كل الزيادات 200 دولار بعدما كان المعدل في كانون الثاني الماضي 300 دولار».

التعويض في المعهد!
إلا أن أحد أعضاء الهيئة الإدارية في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي بدا مرتاحاً للتقليص الذي «سينهي الأمور بأقل الخسائر الممكنة وإن كان ذلك لم يردم الفقد التعليمي». ويعرب عن اعتقاده بأن الطلاب سيُمتحنون بأكثر من 60% من المنهج، لافتاً إلى أن التعثر في التعليم الرسمي هو بالشكل وليس بالمضمون، إذ إن قسماً كبيراً من طلاب الشهادات الرسمية التحقوا بمعاهد تدريس خاصة أو تسجّلوا في دورات تدريبية على حساب الجهات المانحة وعوّضوا أكثر من 70% من المعلومات الناقصة، ومن لم يستطع الانتساب إلى أي من هذه المبادرات سيحتاج إلى القيام بجهود شخصية. ودعا النقابي لجان الامتحانات إلى أن تضع أسئلة معتدلة، مراعاةً للظروف القاسية التي يمرّ بها الجميع.

الامتحانات «مهما كلّف الأمر»
على المقلب الآخر، يصرّ التعليم الخاص على إجراء الامتحانات «مهما كلّف الأمر»، على ما يقول رئيس نقابة المعلمين، نعمه محفوض، فإلغاء الشهادة أو إعطاء الإفادة يقضي على قطاع التربية. ويقول إن طرح إجراء امتحانين رسميين، واحد للقطاع الرسمي وآخر للقطاع الخاص مردود، وسابقة وطنية خطيرة، علماً أننا أوعزنا إلى معلمينا المشاركين في أعمال التقليص أن لا يكون التخفيف على حساب الجوهر حتى يكون للشهادة الرسمية معنى. ويطالب الأساتذة في التعليم الرسمي بأن لا يقبلوا بإنهاء العام الدراسي من دون امتحانات، وإذا حصل ذلك فلن يبدأ العام الدراسي الجديد، ولن يكون بمقدورنا تنظيم تحركات مشتركة بين القطاعين والمطالبة بأن يكون 45% من الراتب على الأقل، بالدولار الأميركي.

ويشير الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، إلى أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة اتفق مع وزارة التربية في الاجتماع الذي عُقد بحضور المدير العام ورئيسة المركز التربوي على أن إجراء الامتحانات الرسمية مطلب نهائي لا مجال للعودة عنه، انطلاقاً من حق جميع المتعلمين في الحصول على الشهادة، أما مسؤولية إيجاد حلول لمشاكل التعليم الرسمي فتقع على وزارة التربية. ويوضح أن التعليم الخاص ليس ضد تقليص المواد كي لا يكون هناك تمييز بين تلميذ وآخر. ويلفت إلى أن هناك اقتراحين طُرحا في الاجتماع ورُفضا، وهما إجراء امتحانين للقطاعين في توقيتين مختلفين، أو أن يشارك من أنجز البرامج في الدورة الأولى، والباقون يخضعون للدورة الثانية، وجرى الاتفاق على تنظيم امتحانات موحّدة تبدأ دورتها الأولى في بداية تموز. ويشير إلى أننا «تمنّينا كاتحاد إلغاء فكرة المواد الاختيارية وخصوصاً لصف البريفيه مع اعتماد تقليص كمية المادة، فاختزال المواد غير محبّذ ويحدث مشاكل داخل المدارس، رافضاً اللجوء إلى الإفادات للحفاظ على المستوى التعليمي للطلاب». أما اعتماد الامتحانات المدرسية بالنسبة إلى تلامذة البريفيه فهو، بحسب نصر، سيف ذو حدّين ويحتاج إلى مزيد من النقاش والتفكير.