كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
يبدو أن القوى السياسية في البلد اخذت الخيار الذي تعتبره الامثل بالنسبة إليها في هذه الظروف وهو الهروب الى الامام في ظل عجز متفاقم حيال مقاربة كل الاستحقاقات والملفات، بدءاً من انتخاب الرئيس وصولاً الى معالجة ارتفاع سعر البصل.
كل المعطيات المتوافرة تؤكد بأن لبنان ينزلق الى مرحلة وصفه بالدولة الفاشلة، حيث الازمات تتدحرج بشكل يومي وبسرعة هائلة لم يعد في قدرة احد ان يفرمل اندفاعتها او معالجتها، فيما اهل الحل والربط يتقاذفون المسؤوليات وسط حالة من الارتباك الذي وصل الى حد اخذ القرار والعودة عنه في غضون اقل من ساعة، كما حصل بالنسبة لتحسين ظروف العاملين في القطاع العام، الذين على ما يبدو تُركوا لمصيرهم على قاعدة «لا حول ولا قوة».
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا وصلت الامور الى هذا الحد من الانهيار بالتوازي مع اللامبالاة الواضحة ممن فترض بهم ان يسارعوا الى معالجة هذا الوضع والحد من تفاقمه؟ واذا كان الجواب معروفاً من الكبير والصغير في هذا البلد وهو النكد السياسي معطوفاً على الفساد والهدر وغياب الخطط المستدامة والمعالجات الجدية، فإن المستغرب كيف ان الشعب نائم «على ودانه» كما يقال في اللغة المصرية، وكيف كان في السابق ينتفض ويقفل طرقات ما ان يرفع سعر صفيحة البنزين ألف ليرة، او ربطة الخبز خمسمئة ليرة، فيما اليوم يقف متفرجاً امام الجريمة الكبرى التي تنفذ بحقه على كل الصعد!
البعض يقول ان معظم الشعب اللبناني مرتهن عند هذا المسؤول او ذاك، والبعض الآخر يقول ان الشعب اللبناني سئم من واقعه واصبح غير مبالٍ، فيما البعض الآخر يقول ما قيمة التحرك والنتيجة معروفة ألا تغيير جوهرياً سيحصل؟!
بغض النظر عما يمكن ان يقوم به الشعب اللبناني الذي يضع نفسه في مربع الطائفية والمذهبية والزبائنية ويرفض مغادرته تحت اكثر من حجة، فإن استمرار سلوك السياسيين طريق النكد والنكايات سيزيد من الامور تعقيداً، وكأن هناك من يعمل على التدمير الممنهج للبنان، حيث انه بات يعتبر الدعوة الى الحوار وكأنها انتقاص من قيمته السياسية والمعنوية، ويرفض حتى التواصل مع شريكه في الوطن لمعالجة الازمات التي تطال الجميع من دون استثناء، حيث يذهب معظم الفرقاء الى رفع سقف الشروط قبل القبول بالجلوس على اية طاولة تفاوضية للتفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية والذي يعتبر الباب الرئيسي للولوج في معالجة باقي الازمات.
في هذا المجال، يجزم مصدر سياسي بارز بأنه لم يعد بإمكان الداخل في لبنان فعل اي شيء لمواجهة ما يحيط بلبنان من مخاطر وازمات، وان الافق مقفل بالكامل، وبات التعويل على الخارج هو الموجود حالياً في ظل معلومات تفيد بأن الملف اللبناني ما زال يحظى بعناية دولية وإن محدودة، وأنه يمكن التأسيس على ذلك لطلب المساعدة خصوصاً وأن فرنسا لا تزال وعلى الرغم من كل المشاكل التي تعج بها المنطقة تبدي حماسة لمساعدة لبنان على معالجة ازماته وخصوصاً في مجال انتخاب رئيس للجمهورية.
وتلفت المصادر الى ان ما يطرح من معادلات بشأن انتخاب الرئيس وتأليف حكومة بعد التفاهم على اسم من يتولى رئاستها ما تزال غير صحيحة الى الآن، وإن كانت المؤشرات تؤكد ألا خروج من هذا النفق السياسي الا من خلال الاتفاق على تفاهمات ترضي غالبية الاطراف المعنية، وان الحديث عن معادلات في هذا المجال ما يزال بعيدا عن الواقع، وان الحديث عنها ربما يدخل في اطار لعبة جس النبض لا اكثر ولا اقل.
وتشدد المصادر على ان الطبخة الرئاسية وعلى الرغم من الحاجة الملحة لاتمامها لم توقد النار الفعلية تحتها بعد، لان ظروف انضاجها ما تزال غير متوافرة وهي تحتاج الى الوقت الذي تصبح فيه ملفات المنطقة مهيأة للاتفاقات الدولية عليها.
وعندما يسأل مصدر “ماذا سيكون عليه الوضع في لبنان في المرحلة الفاصلة من اليوم الى حين حصول التسوية؟”، تسارع المصادر الى القول إن الامور ذاهبة الى المزيد من التعقيد، وأن جُلَّ ما يمكن القيام به هو فصل الواقع الامني عن التأزم الاقتصادي والسياسي، لأن اي دعسة ناقصة من اي فريق يعني الفوضى، وفي حال وصلنا الى هذه المرحلة فعلى لبنان السلام، حيث ان العوامل الاقليمية والدولية التي كانت تمنع مثل هذه الانزلقات غائبة اليوم، وهذا يعني ان انفلات الشارع من عقاله سيكون له اثمان باهظة لا قدرة على لبنان والشعب اللبناني تحملها، وهذا ما تحذر منه دائماً بعض الدول المهتمة بالشأن اللبناني، وهي تبعث بتحذيرات شبه يومية عبر القنوات الدبلوماسية تنبه من إمكانية الوصول الى هذا الامر نتيجة الانفجار الاجتماعي الذي يلوح في الافق نتيجة تدهور الوضعين المعيشي والاقتصادي.
وفي رأي المصادر ان عامل الوقت لم يعد في صالح لبنان، وان على القيِّمين على الشأن العام ان يسارعوا الى التفاهم على انتخاب رئيس في الدرجة الاولى من خلال الاستفادة من اجواء الانفتاح التي تجري في المنطقة في اكثر من مكان، لعل ذلك يؤدي الى معالجة الازمة المتفرعة عن المشاكل السياسية لا سيما ما يتعلق منها بالشأن المالي والاقتصادي، وفي حال فشل لبنان في ترتيب وضعه الداخلي إن عبر تفاهمات داخلية او تسوية خارجية فإن الخوف يصبح مبرراً من ان يعتبر لبنان دولة فاشلة على مستوى المجتمع الدولي.