كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
كلما طال الفراغ الرئاسي، تحرّكت فرنسا بزخم أقوى. مرّة من خلال اجتماع خماسي، وثانية من خلال اجتماع على مستوى وزراء الخارجية للدول المعنية بلبنان، يجري تحضيره. يحاول الجانب الفرنسي بشق النفس إثبات دوره في حلّ أزمة الرئاسة في لبنان وفي كل مرة يصطدم بعائق الواقع الذي يُظهر أنّ دوره ليس الأكثر تأثيراً في المعادلة الدولية الإقليمية التي تحكم الحل، ولا يملك قدرة الضغط على الدول المعنية أي السعودية وإيران والولايات المتحدة أو إحداث تحول في قراراتها.
لكن يُسجل للمسؤولين الفرنسيين استمرار تواصلهم مع المسؤولين اللبنانيين والإستماع الى وجهات النظر. يُسجل لهم أيضاً انفتاحهم وعلى خلاف الدول الأخرى، على «حزب الله» والوقوف على مشورته ازاء المرشحين المتداولة اسماؤهم وليس لفرنسا مرشحوها. بالمقابل لا تبدي اعتراضاً على ترشيح رئيس «المرده» سليمان فرنجية أو قائد الجيش جوزاف عون. هي أيضاً تسعى الى إعداد توليفة رئاسية حكومية لاعتقادها أنّ الإتفاق على رئيس الجمهورية يلزم الإتفاق بالتوازي على رئيس الحكومة، ليشكلا ثنائياً مقبولاً من المجتمع الدولي. ناهيك عن الرغبة بأن يكون الرئيسان أي رئيسا الجمهورية والحكومة غير مستفزين لأي طرف. لا ترغب فرنسا برئيس تصادمي أو رئيس تحدٍّ لا في الحكومة ولا في رئاسة الجمهورية.
لا تعويل على دور فرنسي
محلياً لا تعويل على الدور الفرنسي. يركن أصحاب هذه النظرية إلى ما سلف من تجارب رافقت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان وما تخللها من مواقف وما تلاها، إنتهت كلها إلى نتيجة «صفر تأثير» أو متابعة عملية. تجربة أخرى تؤخذ على سبيل التفاوت الفرنسي تجاه الملف اللبناني، وهو الموقف الذي أدلى به ماكرون ذاته من على متن الطائرة أثناء توجهه إلى عمان حيث أشاد يومها برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. ووجِهت تصريحاته بانتقادات من فريق في الإليزيه إعتبر أنّ رئيس فرنسا لم يكن ملزماً بالتعبير عن رأيه بشخصية موجودة في الحكم ما يمكن فهمه بمثابة دعم فرنسي لاستمرار ميقاتي في سدة الرئاسة الثالثة في المرحلة المقبلة. لكن الإجتماع الخماسي في باريس أفصح عن حقيقة مختلفة وأخرج حسب مصادر ديبلوماسية رئيس الحكومة الحالي من لائحة الأسماء المتداولة مقابل التداول باسم الرئيس السابق تمام سلام والذي لم يتردد في الإعتذار عند مفاتحته بالأمر ولو على سبيل جس النبض فحلّ مكانه اسم السفير نواف سلام. وبات متعارفاً عليه أنّ فرنسا وخلال تحضيراتها للإجتماع الخماسي أرادت أن يكون الإجتماع محطة مفصلية يلزم الأطراف المعنية بلبنان باتخاذ خطوات معينة رئاسياً، لكن تدخل الأميركيين قوّض المحاولة الفرنسية وحمل الفرنسيين على الإكتفاء باجتماع على مستوى ممثلي الدول، بينما تقصّدت السعودية أن تكون مشاركتها أقل فعاليه لدرجة غياب سفيرها في لبنان عن جولة سفراء الدول الخمس المعنية بالإجتماع.
ويترافق كل هذا مع تدهور العلاقة الفرنسية الإيرانية ما يجعل الدور الفرنسي محدود التأثير في لبنان وإن كان يُسجل لسفيرة فرنسا آن غريو نشاطها اللافت وحراكها الذي لا يهدأ وجولاتها على المسؤولين على اختلاف مشاربهم ما يؤمن لفرنسا عبوراً آمنا لدى الجميع. كل من يتواصل مع الفرنسيين يسمع الكلام الديبلوماسي ذاته من حرص فرنسا على لبنان وضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية. في فرنسا تُعدّ تقارير مختلفة عن لبنان. تتوزع بين هذا وذاك من الأطراف. بطبيعة الحال يتأثر الإليزيه أو المسؤولون فيه بما يتناهى إلى مسامعهم. الغريب أنّ الإنقسام اللبناني في مقاربة الملف الرئاسي بات ينسحب على الفرنسيين أيضاً، فلا تسمع في فرنسا توجهاً واحداً وهذا بطبيعة الحال ينعكس على دور الديبلوماسية الفرنسية في لبنان والتي صارت تكتفي غالباً بالإستفسار أكثر مما تدلي بموقف واضح.
فرنسا «الأم الحنون» غاب حنانها أو تمّ تغييبه عنوة. تغيرت الظروف وتغير المسؤولون في لبنان كما في فرنسا. لبنان لا يزال تابعاً لفرنسا في الوجدان وفرنسا لم يعد بمقدورها التواجد بما يزيد عن الوجدان لاختلاف أدوار اللاعبين الدوليين وحضور دول أخرى مقابل غياب دورها، ناهيك عن أن فرنسا بذاتها دولة منهكة بمشاكلها الداخلية والمحيطة، وليس مبالغة القول إنّها أكثر من يدفع ثمن الحرب في أوكرانيا.
تتفق مصادر سياسية على صلة بالإليزيه على أنّ لا دور لفرنسا بالصورة المرجوة لبنانياً. كانت فرنسا مجرد مقر استضافة لمؤتمر دولي فشل في الخروج بنتيجة مع آلية تنفيذ. كلّ ما في الأمر أنّه وضع لبنان على سكة المتابعة لكن من دون أن يلغي أنّ الأولوية عند السعودية هي للتفاهم مع سوريا على حساب لبنان وكأن المملكة ترغب بالدخول إلى ملف لبنان من البوابة السورية، بدليل كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن وجود «إجماع عربي على أن الوضع الراهن في سوريا يجب ألّا يستمر ويجب معالجة وضع اللاجئين السوريين في الخارج».
الأميركي غير متحمّس
قبل اللقاء الخماسي وبعده لم يكن الأميركي متحمساً لإعطاء فرنسا دوراً في لبنان، وهذا ما ظهر في أكثر من مفصل كان أهمها يوم تمّ تجميد عملية التنقيب التي كانت تقوم بها توتال في البلوك رقم 4، ثم التقليل من حجم دور باريس في مفاوضات الترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل. ما يؤشر إلى صعوبة الحديث عن دور فرنسي بالمعني العملي للكلمة لإنتفاء قدرة فرنسا على القيام بخطوات عملانية مالياً وعسكرياً خصوصاً في ظل ورطة الحرب في أوكرانيا.
ومن هنا كان لقاء باريس مجرد ملتقى، تقاطع خلاله المشاركون ربما على مبدأ الإستقرار الأمني في لبنان، وبمجرد إنتخاب رئيس الجمهورية، أياً يكن هذا الرئيس، سنبحث في إمكانية التعاون معه ودعمه. من وجهة نظر المقاومة وحلفائها فإنّ الفرنسي هو تابع والقرار الفصل هو للأميركي والسعودي ولكن الكرة لا تزال في ملعب اللبنانيين، وهذا ما سبق وقاله أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله وتقاطع بشأنه مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وهو أنّ القرار عند لبنان والعالم الخارجي يمكن أن يكون داعماً للصيغة التي سيتم التوصل اليها لا أكثر ولا أقل، إلا في حال طال أمد الفراغ فسيكون الدور الأكبر للخارج ورهن التفاهم السوري- السعودي، وهذا لن يحصل بين ليلة وضحاها.