كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
بعد 17 عشر عاماً على التموضع السياسي لـ»التيار الوطني الحر» إلى جانب «حزب الله»، يدأب رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل على إبراز تمايزه لا بل المجاهرة بانتفاء مفاعيل التفاهم مع قوى الثامن من آذار، بُعَيد اتجاه «الثنائي الشيعي» إلى تزكية الوزير السابق سليمان فرنجية عليه وعلى غيره من المسترئسين.
بواقعيّة، يُهندس «التيار» أو رئيسه، سُبل إستمراريته في السلطة، إنطلاقاً من «الموزاييك» النيابي المستجد بعد «17 تشرين»، ودخول تكتلات جديدة أطاحت بالإنقسام العمودي بين ما كان يعرف بـ «8 آذار» و»14 آذار». وينطلق «التيار» من نبرة مواقف رئيسه المرتفعة وتمايزه العلني عن «حزب الله»، ليرمي كرته الرئاسيّة في ملعب معارضي «الحزب»، مخيراً إياهم بين التفاهم معه عاجلاً أو آجلاً لاختيار الرئيس العتيد للجمهورية، أو الذهاب إلى انتخاب مرشح «حزب الله» أي فرنجية، الذي يرفض.
وفق هذه المعادلة البسيطة توضح مصادر «التيار» لـ»نداء الوطن» الموقف من الإستحقاق الرئاسي، مؤكدةً أنّ مقاربتهم للملفات السياسيّة المطروحة أكان لجهة رفض المشاركة في الجلسات التشريعية كما الحكومية قبل انتخاب رئيس الجمهورية لا تحمل اللبس، (ما خلا الظروف الإستثنائية والطارئة والملحة جداً)، وتتلاقى مع مواقف الكتل النيابيّة المعارضة للتشريع راهناً، ما يفتح الباب أيضاً للتلاقي الحتمي، كلٌ من موقعه، مع «المعارضة» في تعطيل النصاب القانوني لانتخاب رئيس يشّكل وصوله إلى بعبدا إستفزازاً لهم (سليمان فرنجية) بأكثرية 65 صوتاً.
ويرفض «التيار» وضع حراكه الرئاسي ومساعيه للتوافق مع القوى المسيحيّة و»القوات اللبنانية» تحديداً، في إطار المناورة لإنضاج تسوية رئاسيّة ما في الخارج. وهو يترقّب المساعي التوفيقيّة التي يقوم بها المطران أنطوان أبو نجم كموفد من البطريرك بشارة الراعي من أجل التمهيد العملاني للقاء النواب المسيحيين في بكركي، والتوافق على سلة أسماء رئاسيّة، تحظى بموافقة الأفرقاء المسيحيين من جهة، ولا تشكّل إستفزازاً للفريق الآخر من جهة أخرى.
ومع تعويل «التيار» على لقاء بكركي، يستبعد إمكانية خروجه باتفاق على مرشحٍ واحدٍ وفق بعض الطروحات المتداولة، وفق مصادره، ليتبين أن «للتيار» شروطه أيضاً، وليس أقلها الإقرار أنّ «الذهاب إلى لقاء بكركي يعني حكماً خروج الأسماء المطروحة من التداول، للبحث في اسماء جديدة، تحظى بقبول غالبيّة الأفرقاء، بعد اتساع هوة الرفض لتلك الأسماء، وهي النائب ميشال معوض، والوزير السابق سليمان فرنجية، وقائد الجيش العماد جوزاف عون».
في الغضون، يرفض»التيار» القول إن انتهاجه «سياسة اليد الممدودة» ناجم عن الإختلاف مع «الحلفاء» الطبيعيين في «8 آذار»، لكون رئيسه يتمتّع بهامش كبير من التحرك هو الأوسع بين القوى السياسيّة، أكان لجهة التواصل مع رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، أو بعض القوى في «8 آذار»، كما مع العديد من النواب المستقلين والسنّة، خلافاً لحسابات بعض الأطراف الضيّقة التي ترى التعاون مع «التيار» للخروج من الأزمة يشكل تعويماً له، قبل العودة إلى التأكيد: «بيقدروا ما يحكوا معنا من هلق لـ100 سنة»، ولكن اذا أرادوا حلاً فلديهم أحد الخيارين: أو التواصل مع «حزب الله» و»حركة أمل»، أو التواصل مع «التيار»، لا أكثر ولا أقل»!.
وينطلق «التيار» وفق مصادره، في مقاربته للملفات المطروحة «على القطعة»، للتأكيد على رفض وضعه بالقوة في خانة «8 آذار»، التي اقتصر الإتفاق معها على «بند المقاومة» في البيان الوزاري، قبل اتساع الهوة معها في مقاربة البرامج الإقتصادية والإصلاحية ومكافحة الفساد… وبعد إفشال عهد الرئيس ميشال عون، يجدد «التيار» الرهان على فرض نفسه شريكاً في إعادة تكوين السلطة مع إنطلاق العهد الرئاسي القادم، بعد التسليم ولو مرحلياً بانعدام حظوظ النائب باسيل الرئاسيّة، ليهمل خطاب «إستئثار الرئيس الأقوى بطائفته بالمركز الأعلى في السلطة»، لمصلحة إنتهاج «سياسية اليد الممدودة» تجاه غالبية القوى السياسيّة للتوافق على مرشحٍ رئاسي «صديق» يقطع طريق المسترئسين من خصومه قبل أن تبدأ.