كتبت لينا فخرالدين في “الأخبار”:
سنةٌ على انقطاع «حبل السرّة» بين الرئيس سعد الحريري وكوادر تيار المستقبل، عوّضها «دولة الرئيس» عليهم بلقاء دام أقل من ساعةٍ، ضمّنه استعادةً فضفاضة للوقائع التي حدثت بعد تعليق عمله السياسي. وفي الحريري بالوعد الذي قطعه للمسؤولين الإماراتيين بأن لا يخرج عن لسانه موقف سياسي واحد خلال لقاءاته في بيروت التي سيمكث فيها حتى نهاية هذا الأسبوع. لذلك، بدأ اجتماعه مع مسؤولي الهيئات الأولى في التيّار: هيئة الرئاسة، هيئة الإشراف والرقابة، المكتب التنفيذي، المكتب السياسي والأمين العام وبعض النواب السابقين، بقوله: «مش جايي إحكي سياسة»، فكان حذراً والتزم بكل العبارات التي أوردها في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه تعليق عمله السياسي.
هو إذاً اجتماعٌ صُوَري طالما أن رئيس «المستقبل» لم يتطرّق فيه إلى السبب الحقيقي الذي دفعه إلى الابتعاد. الجميع يعلم أنّ القرار نابعٌ عن «حرمٍ ملكي سعودي»، إلا أن الحريري لا يجاهر بذلك، تماماً كقيادييه الذين هزوا رؤوسهم حينما كان الحريري يجلس على مقعده الخشبي ليصوغ مبرّرات «هجرته الطوعيّة»، حتى أنّه أكّد صوابيّة هذا القرار الذي ربطه بانهيار الدولة ومؤسساتها والأزمة الاقتصادية. ولم ينتظر أن يبادره أي من الحاضرين بأن القائد لا يتهرّب من تحمّل المسؤولية، بل استبقهم بقوله: «شو قادر قول للناس، شو قادر اعمل، وبشو فيني أوعدهم، أو بدكن ياني اطلع قول ما خلوني؟»، معتبراً أن بقاءه في الساحة السياسيّة يعني تحميل تيّاره وحده تبعات الأزمة الحاليّة.
بالنسبة للحريري، الشرخ السياسي يزداد حدةً، و« طالما أنّ البلد قائم على الانقسام الطائفي والمذهبي والمحسوبيات، فإن لا قيامة له. وللأسف هذا الانقسام يتعمّق ويتجذّر بدلاً من الانتماء إلى الوطن». كلّ ذلك قاله «أبو حسام» ليسهل عليه إقناع قيادييه بأنّ الاعتكاف كان في «المسار الصحيح والدقيق». ولذلك أيضاً، أصرّ أن يقوم بـ«جردة حساب» عن الـ2022، مُعدداً المحطّات التي تؤكّد زيادة الشرخ السياسي وانهيار الدولة، ولكن من دون الدّخول في التفاصيل والأسماء. هكذا وقف الحريري على «حافة الحقيقة»، قبل أن يغرق في وقائع الحرب الروسية – الأوكرانيّة والوضع «غير المستقر» لمنطقة الشرق الأوسط، على حد وصفه. بانوراما محليّة – عربيّة – دوليّة قدّمها لكوادره عن الأوضاع السياسيّة المحليّة والدوليّة، متقيّداً بالنصائح الإماراتيّة التي تلقاها قبل أن يستقل طائرته عائداً إلى لبنان.
ما كان يُريد الحريري إبلاغه لكوادر تيّاره اختصره بكلمةٍ واحدة أعادها أكثر من مرة: «لا أفق». إنّه «اللاأمل» الذي بثّه في نفوسهم بأن عودته إلى الساحة السياسيّة غير واردة حالياً، باعتبار أن الظروف التي دفعته إلى الابتعاد ما زالت قائمة. وبالتالي، فإن «قرار الاعتكاف ما زال سارياً حتى إشعارٍ آخر». حتى حينما سُئل رئيس «المستقبل» من قبل أحد المسؤولين في التيار عن الشغور الرئاسي، لم يدخل في التفاصيل، بل أشار إلى أنّ المعطيات تؤكّد أن انتخاب رئيس للجمهوريّة ليس في المدى القريب.
وكما في السياسة كذلك على المستوى التنظيمي لهيكليّة التيار، أبقى الحريري على «قفازاته». لم يتطرّق إلى ما حصل في الانتخابات النيابيّة ولا إلى تمرّد قياديين «مستقبليين»، ولم يعد بورشة تنظيمية كما تمنّى البعض، بل تحدّث وكأنّ وضع التيّار في «اللوج» ليستشهد بالعمل النقابي الذي كان «مُرضياً» خلال السنة الماضية. جلّ ما قام به رئيس التيار هو مُحاولة استنهاض قيادييه بالتأكيد أن تعليق العمل السياسي لا يعني تعليق العمل في المجال الاجتماعي والنقابي، بل شجعهم على القيام بواجباتهم «لضرورة استمرار مؤسسات التيار على أن يكون العمل هادئاً ومنظماً وفق الآليات».
صحيح أن اللقاء كان عمومياً، إلا أنّ الكثير من القياديين اعتبروا أنّ الاجتماع «كان جيّداً وأن النقاش الذي دار كان رصيناً وعقلانياً، وكانت وجهات النظر متطابقة»، على حد تعبيرهم، مشيرين إلى أنّ «الرئيس بدا متابعاً للتفاصيل على رغم بُعده عن لبنان وانشغاله بالأعمال التجاريّة».
وبعد لقائه كواد التيار، زار الحريري مساء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، حيث رفع أنصاره صوره في عائشة بكار.
ومن المنتظر أن يُحيي الحريري اليوم ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالتوجّه إلى الضريح قبل العودة إلى بيت الوسط حيث يستقبل وفوداً شعبيّة وسط إجراءات أمنية مُشدّدة، على أن تُخصّص لقاءات الغد لبعض الشخصيات السياسية والديبلوماسية، إضافة إلى الاجتماع مع مسؤولي منسقيّات المناطق.