23-نوفمبر-2024

كتبت ‎لينا دوغان في مقالتها بـ “‎لبنان الكبير”:

بالمباشر وبكل صراحة أواجه الجميع اليوم، نعم عن دم رفيق الحريري أتكلم، وعن شهادة رفيق الحريري أكتب، هذا الدم الذي سال كان غالياً أما الاستشهاد فقد كلفنا غالياً، والبلد منذ ٢٠٠٥ حتى الساعة يدفع الفاتورة وهي في ازدياد.
من منا ما عاد يعرف أو اكتشف بعد الاستشهاد الكبير أن رفيق الحريري كان يحمل البلد، وهموم البلد، وتعب البلد، ومآسي البلد على أكتافه وحده. من منا ما عاد يعرف كم كانت الضغوط كثيرة وكبيرة على رفيق الحريري إن كان ضغوط الداخل أو ضغوط الخارج وتحملها فقط لكي يقوم البلد، ويمشي البلد وهو الذي كتبها: “البلد ماشي والشغل ماشي والحكي ماشي ولا يهمك”.
تحمل رفيق الحريري بصدره ما لا يمكن أن يتحمله انسان، والسر عند هذا الرجل أنه تجنب وبصورة ذكية جداً أن يُشعر أحداً بهذا العبء الذي يحمله فقط لكي يجنب البلد خضات هو بغنى عنها، ولكي يحافظ على الاستقرار وهو يرسم لبلده مستقبلاً زاهراً من خلال مشروعه ورؤيته.
وقف في وجه هذا المشروع وهذه الرؤية الكثيرون في الداخل وأيضاً في الخارج.
شرّع المقاومة ولم يعجب.
بنى بيروت وسطها وأسواقها ولم يعجب.
بنى الجسور ووصل البلد ببعضه شمالاً وجنوباً ولم يعجب.
جعل بيروت لؤلؤة الشرق وقبلة السياح من كل الأماكن ولم يعجب.
أصبح لبنان في عهده مستشفى الشرق ولم يعجب.
أصبح لبنان من أهم اقتصادات العالم ولم يعجب.
ومع ذلك بقي رفيق الحريري حاملاً مشروعه ورؤيته ولم يأتِ أحد من بعده ويقدم أي مشروع أو حتى فكرة أخرى، ومع ذلك أفردوا كل تصاريحهم وكلماتهم في اتهامه بأنه من أوصل البلد الى هنا.
عملياً تقرّب رفيق الحريري من كل الأطراف في البلد، صحيح أنه كان سنياً بالطائفة، لكنه كان يفضل تخطي الطوائف كيف لا وهو الأب الروحي للطائف؟ ترجم تعاطيه مع موضوع الطائفية بصورة واضحة وعلى الأرض وفي الكثير من المحطات، وعلاقته الجيدة بجميع الأطراف اللبنانية كانت أكبر دليل على ذلك بحيث كانت تتسم هذه العلاقات بالاحترام والمحبة حتى لو تخللها في بعض الاحيان موقف يصدر من هنا أو من هناك فإن رفيق الحريري كان أول المتسامحين وأكثر المسامحين كرمى لعيون البلد.
وحفاظاً على البلد وحباً بالبلد ظل رفيق الحريري سالكاً هذا الدرب محاولاً بكل ما أوتي من قوة ونفوذ ايصال لبنان الى أعلى المستويات على الصعد كافة، صحيح أنه سلك درب الخلاص لكنها كانت في الوقت عينه طريق الآلام.
كما ذكرنا رفيق الحريري لم تكن الطائفية نقطة ارتكازه على عكسهم لذا عندما قدم منحاً دراسية للطلاب، لم يفكر لحظة من هم هؤلاء الطلاب أو الى أي طائفة ينتمون، كان يكفيه أنهم لبنانيون.
نعم، علّم رفيق الحريري الكل من دون تفرقة وكان التعليم والعلم من أول اهتماماته ومع ذلك لم يعجب، فاتهم بأنه اهتم بالحجر ولم يهتم بالبشر، عذراً ممن قالها لكن رفيق الحريري اهتم بالبشر والحجر، فقد علّم وعمّر في آن…
وفي النهاية خُوّن رفيق الحريري، نعم خُوّن، وفوقها اتُهم بالعمالة، هذا الانسان العروبي الوطني الذي تحمّل ما تحمل يُتهم بالخيانة والعمالة ثم يُغتال!
ولأن من اتهمه أفّاك ومخادع ودجال بقيت دماء رفيق الحريري زكية وستبقى كذلك وسيدفع هؤلاء ثمن ما ارتكبوه بحقه وهم يدفعونه أصلاً، اذ أنه منذ استشهاده حتى يومنا هذا لم يعرفوا معنى الراحة وكيف؟ فقد أخذ معه الاستقرار والاستقلال الثاني ومشى…