22-نوفمبر-2024

جاء في “الراي” الكويتية:

عشية مرور أسبوعٍ على «نكبة القرن» في تركيا وسورية، اتجهتْ عيون لبنان إلى آخِر جولاتِ عمليات الإنقاذ و«معجزاتها» وإلى التشظياتِ السياسية للزلزال على المقلب السوري من الكارثة المدمّرة، وسط استعداداتِ بيروت لإحياء الذكرى 18 لـ «زلزالِ» اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 والذي أدْخل «بلاد الأرز» في حقبةٍ من صراعٍ مفتوح اتخذ أشكالاً عدة، باردة وساخنة، وما زال الوطن الصغير يتقلّب على «فوالقه» المتعدّدة البُعد.

ومع عودة بعثة البحث والإنقاذ اللبنانية من سورية أمس (بعد البعثة إلى تركيا) وانهماكِ العالم بالآثار المرعبة للزلزال الذي أعلنت انقرة أن الطاقة التي انبعثت منه كانت «تعادل 500 قنبلة ذرية» وبوقوع المساعدات إلى سورية أسيرةَ التصدّعات الكبرى التي أحدثتها الحرب المستمرة منذ 12 عاماً والفرز الجغرافي بين مناطق المعارضة والنظام، بدأت بيروت تستعيد يومياتها «المشحونة» بأزمةٍ رئاسية متمادية وانهيارٍ مالي متسارع باتا يُطْبِقان على لبنان وناسه.

وفيما لا شيء يشي بإمكان شقّ طريقِ خروجٍ من النفق الرئاسي قريباً ووقْف مسار تَحَوُّل المؤسسات «أنقاضاً» وانزلاق الواقع المالي – النقدي نحو القعر الذي «لا قعر تحته»، تحلّ ذكرى اغتيال الرئيس الحريري للمرة الأولى وكأنها من خارج سياقاتِ الأزمة اللبنانية الراهنة والتي تشكّل واقعياً امتداداً لجريمة 14 شباط التي جاءت بمثابةِ «هزة سبّاقة» بدا أنه أريد لها منْع اهتزاز «قوس النفوذ» الاقليمي للممانعة بجناحيْها الإيراني والسوري والذي كان صار في دائرة «العين الحمراء» الغربية.

فالذكرى التي لطالما كان يُستعاد في إحيائها «المسرحُ السياسي» الذي وقعت عليه الجريمة المزلزلة وأخواتها من الاغتيالات المتسلسلة (حتى كانون الأول 2013 – اغتيال الوزير السابق محمد شطح)، تطلّ في 2023 وكأنها «منزوعةً» من البُعد السياسي الذي يرتكز على الخلفيات العميقة لحَدَثٍ أريد في جانبٍ رئيسي منه كسْر التوازنات الداخلية بامتداداتها الاقليمية والتي يشكّل المكوّن السني ركيزتها الأساسية، تمهيداً لقضم تدريجي لركائز جمهورية الطائف وفكّ كل «أحزمة الأمان» التي كانت تحول دون أن «يزحل» لبنان خارج الحضن العربي.

فزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري، الذي كان أعلن في كانون الثاني 2022 الانكفاءَ عن العمل السياسي، يعود إلى بيروت مساء اليوم للمشاركة في ذكرى 14 شباط التي سيتم إحياؤها تحت شعار «ما خلصت الحكاية» وسيطغى عليها الطابع الوجداني، حيث يزور الحريري الابن ضريحَ والده في باحة مسجد محمد الأمين في وسط بيروت ويقرأ الفاتحة عن روحه ورفاقه من دون أن تكون له كلمة سياسية، رغم «الرسالة» التي سينطوي عليها الحضور السياسي المتوقَّع بجانبه كما الشعبي الكثيف لمناصري «المستقبل» تحت عنوان «وفاءً لشهيد لبنان دولة الرئيس رفيق الحريري واللقاء مع الرئيس سعد الحريري».

وستكتسب محطةُ الضريح رمزيةً كونها ستحمل أول تواصل منذ عام بين الحريري ومناصريه، في الوقت الذي لم يخرج المكوّن السني بعد من ارتداداتِ انسحاب زعيم «المستقبل» من الحياة السياسية وتَعَمُّق الشعور بأنه بات «فاقداً للتوازن»، وسط معلومات عن أن زعيم «المستقبل» سيستقبل زواراً من مشارب سياسية وطائفية عدة وكوادر حزبه قبل أن يغادر إلى الإمارات يوم الاربعاء.

وفي موازاة هذه المحطة، تتجه الأنظار الى اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب غداً للبحث في جدول أعمال جلسة تشريعية تحوّلت «ساحة مواجهة» سياسية متعددة الجبهة بين الموالاة (حزب الله وحلفاؤه) وبين غالبية المعارضة التي أعلن 46 من نوابها أمس رفْضهم أي التئامٍ للبرلمان خارج جلسات انتخاب رئيس للجمهورية (كونه بات هيئة انتخابية) بوصفه «مخالَفة للدستور وبمثابة ضربة قاتلة لأساسات النظام اللبناني»، محذرين من أي محاولةٍ لفرض جلسة تشريعية، وملوّحين بالطعن بما سيصدر عنها.

وإذ يسود انطباعٌ بأن ما «كُتب قد كُتب» على صعيد هذه الجلسة التي لا يعرقل بيان نواب المعارضة توافر نصابها، يبرز ترقُّب لمفاوضاتِ «تحت الطاولة» مع «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل الذي تتقاطع المعطيات عند أنه سيؤمن الميثاقية والنصاب للجلسة التشريعية بعد انتهاء «الأخذ والردّ» حول جدول أعمالها الذي يريد التيار وفق خصومه تصوير أنه سيكون «بطل» حصْره، في حين أن محاولاتٍ تجري لضمانِ مقايضةٍ في ما خص قانون التمديد لعدد من المديرين العامين (بدءاً من اللواء عباس ابرهيم) تضمن «حصةً» لفريق الرئيس السابق ميشال عون، من دون أن تتضح بعد الآلية النهائية لهذا التمديد ومدى شموليته، وهل يمكن لعدم التوافق عليها الإطاحة بالجلسة التي سيكون من أبرز بنودها أيضاً قانون الكابيتال كونترول.

وفي هذه الأثناء، استوقف أوساطاً سياسية البيان الذي صدر عن بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الديبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد والنرويج وسويسرا في لبنان وعبّر عن «عميق القلق حيال الوضع الراهن في لبنان»، وحضّ «كل الأطراف المعنية على احترام استقلالية القضاء والامتناع عن جميع أعمال التدخل والسماح بتحقيق قضائي عادل وشفاف في انفجار مرفأ بيروت»، وداعياً «مجلس النواب للإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية يوحّد الشعب اللبناني في إطار المصلحة الوطنية، كخطوة أولى لاستعادة قدرة مؤسسات الدولة اللبنانية على صنع القرار على المستويين الإداري والسياسي».

وإذ قالت هذه الدول «إنّ إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها (أيار المقبل) أمر أساسي لتأمين حسن سير مؤسسات الدولة»، جددت «دعوة كل الأطراف المعنية إلى التصرف بمسؤولية حتى تنفذ بالكامل الخطوات التي سبق أن تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي.

كما نعرب عن استعدادنا لدعم لبنان على مسار الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي الذي يتطلب إصلاحات بنيوية. ويجب أن تعالج الموازنة العامة لعام 2023 مسألة انهيار قيمة رواتب موظفي القطاع العام لتمكينهم من متابعة عملهم لصالح الشعب اللبناني».

وبالتوازي كان لباريس «أول الكلام» بعد الاجتماع التشاوري الخماسي في باريس حول لبنان (ضم الولايات المتحدة والسعودية فرنسا وقطر ومصر) والذي لم يصدر عنه بيان اذ قالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية آن- كلير ليجندر رداً على سؤال «كان اجتماعاً لكبار المسؤولين وبالتالي كان اجتماع خبراء بطابع تقني كالاجتماعات التي نعقدها مع شركائنا دائماً في شأن جميع المواضيع الدولية الرئيسية، ولم يكن مقرَّراً اتخاذ قرار فيه، ولهذا لم يكن لدينا أي إعلان نصدره».

وأضافت: «موقفنا من لبنان معروف. وقد عبّرت وزيرة الخارجية كاترين كولونا بقولها إن على السياسيين اللبنانيين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم فوراً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الشغور، بالإضافة إلى تشكيل حكومة فعاّلة تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمر بها».

وعن إمكان عقد اجتماع آخر على مستوى وزاري أكبر في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، قالت: «إذا كانت هناك اجتماعات أخرى فسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب».

وعلى وقع هذا الحِراك الدولي، وإن الخافت، برز موقف أقرب الى «البطاقة الصفراء» من «حزب الله» بلسان رئيس كتلة نوابه محمد رعد، الذي قال: «ليست عندنا شروط خاصة لرئيس الجمهورية، وما نطرحه يطول كل اللبنانيين الذين يجب أن يمارسوا استقلالهم الوطني في اختيار رئيسهم. تحصل اجتماعات اقليمية ودولية، بمعزل عن تلك الاجتماعات وما ينتج عنها فإن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية هو شأن وطني داخلي أول ما يعنى به هو اللبنانيون أنفسهم. لا نرفض مساعدات من أحد لكن لا نقبل مصادرة قرار اللبنانيين من أحد ايضاً».

وحدد رعد «الإشكال» في الاستحقاق الرئاسي بـ «أننا مصممون على ان ننتخب رئيساً لكل اللبنانيين يليق بتطلعاتهم ويحرص على وحدة صفهم ويستقوي بإرادتهم وعزمهم ولا ينصاع لاي أوامر، لا على تلفون ولا بالزيارات»، وقال: «هذه المسألة دونها عوائق وصعوبات. ولكن إذا لم يكن ذلك فلن يستطيع الآخرون أن يأتوا بالرئيس على شاكلة الخدَم والحرس لمصالح الغرب الطامع بإدارة شؤون بلدنا لحماية مصالحه الإقليمية».