كتب المحرّر الاقتصادي: لم يكن الإنذار الذي وجهته منظمة العفو الدولية للحكومة حول ضرورة تأمين الدواء للمواطنين، إلا صرخةً في وجه الإخفاق في الإلتزامات، وفي وجه عدم استجابة الحكومة للأزمة التي تسببت بضغوط هائلة على القطاع الصحي.
ومن المعلوم أنه مع بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، انطلقت أزمة الدواء وهي تستفحل يوماً بعد يوم.
ففي المرحلة الراهنة، فإن الوضع يعتبر مأساوياً، في ضوء إفلاس الدولة، والشح الكبير في العملات الصعبة مقابل انهيار تام ومتسارع لليرة اللبنانية، فيما الأموال غير كافية للاستيراد.
وفي ظلّ هذا الواقع، فإن القطاع الدوائي والصيدلاني من أكثر القطاعات التي تأثرت سلباً بالأزمة، الأمر الذي يضع كل القطاع والمنظومة الاستشفائيّة وعلاج المرضى في حالة من الخطر الشديد، خصوصاً وأن المعطيات تؤكّد بوضوح أن الدواء شبه منقطع ومعاناة المرضى لتأمينه كبيرة، بسبب الشحّ وأحياناً وانقطاع العديد من الأصناف أحساناً أخرى.
لكن الأخطر اليوم ، هو أن الأدوية المزوّرة والمغشوشة تغزو السوق اللبناني بكثافة عبر “تجارة الشنط” المهرّبة من تركيا ودول عديدة أخرى، من دون أي ضمانات للجودة، لأنها لا تمرّ عبر القنوات الشّرعيّة والضامنة للجودة، وهذا الأمر يحذّر منه نقيب الصيادلة في كل اطلالاته الاعلامية.
كذلك فإن العديد من المرضى يجدون أنفسهم أمام خيار وقف علاجاتهم لأكثر من سبب، منها أن الدواء غير متوافر، أو لأن لا قدرة لديهم على تأمين ثمنه الذي يرتفع باضطراد، نظراً إلى انهيار سعر صرف العملة الوطنيّة، أو لكون نوعيّة العديد من الأدوية المستوردة عبر قنوات السوق السوداء رديئة.
وبالتالي فإن لبنان يواجه مشكلة كبيرة مع المعامل المصنّعة للدواء في الخارج، نظراً إلى عدم قيام الدولة بتسديد مبالغ متراكمة للشركات المستوردة تتراوح قيمتها التقديريّة ما بين ٣٥٠ و٤٠٠ مليون دولار. وهذا الأمر يضع عمليّة استيراد الدواء برمّتها إلى لبنان في وضع حرج جدّاً مع المصانع في الخارج التي لم تعد تضع لبنان في سلّم أولويّاتها، والتي ترفض اليوم تسليمه أدوية ما لم يتم تأمين أو حتى دفع ثمن الشحنات مسبقاً، وهذا الواقع يضع كلّ القطاع الدوائي والاستشفائي في دائرة الخطر.
ومن الواضح أن مشاكل الدواء يوميّة ومعروفة وهي تبثّ إعلاميّاً، وتتم مقاربتها من العديد من الجهات، مثل وزير الصحة العامة الذي يتناول هذه المشاكل باستمرار؛ ونقابة الصيادلة التي من جهتها تعلن إضراباً كلّ فترة؛ ونقابة المستشفيات الخاصة التي لا تكفّ عن دقّ جرس الإنذار، والتي هدّدت مؤخّراً مثلاً بالطّلب من المرضى أن يدفعوا بأنفسهم ثمن الأدوية بشكل مستقلّ عن أي جهة ضامنة كانت؛ أو نقابة شركات الدواء التي تصدر بيانات مراراً وتكراراً للتحذير من واقع السوق الصيدلاني والدوائي في لبنان؛ اضافة الى الأطّباء الذين يشتكون من وضع غير محمول وعدم قدرتهم على اداء مهامهم في ظلّ ازمة دواء لم يشهدوا لها مثيلا قطّ حتى في احلك ايام الحرب…
إنطلاقاً مما تقدم وفي ظلّ هذه الأزمات، تظهر علامة مضيئة واحدة أصبحت نوعاً من المثال الذي يحتذى به في مجال الطّبابة والاستشفاء في لبنان، ألا وهي مثال الطبابة العسكريّة في الجيش اللبناني. وهي قد أصبحت من أهم المرافق الطبيّة في الدولة، حيث يتم تأمين الطبابة والدواء بانتظام مع تذليل العقبات بطريقة لافتة.
في المقابل، فإن سياسة الدّعم التي تعتمدها الدولة منذ ثلاث سنوات هي سياسة ترقيعيّة أثبتت فشلها في كلّ ما تم اعتماده ضمنها، لا سيّما قطاع الأدوية.
ذلك أنه بعد بدء عمليّة الدعم، أصبح تحديد الكميات والأصناف التي يسمح استيرادها إلى لبنان من مسؤولية الدولة التي تحدّد الكميات والأنواع التي يمكن استيرادها. وهذه الآلية لا تؤخر فقط عمليّة الاستيراد، بل لا تغطّي حاجات السوق المحلي. والأهمّ أن الآلية قضت على مخزون لبنان الاستراتيجي من الأدوية والذي كان يسمح بتفادي أي شحّ أو انقطاع محتمل للأدوية. كذلك، الميزانية المخصّصة للدعم تعتبر ضئيلة جدّاً.
على المعنيين كافّة مسؤولية أخلاقية ووطنية بالعمل ليل نهار، لوقف معاناة المرضى. مسؤولية تقضي بوقف الكلام والمؤتمرات والبيانات والبدء بالعمل الفوري، وتأمين تمويل من أيّ مكان ووضع حدّ لطريق الجلجلة الذي يسير فيه المرضى. الدواء قبل كلً شيء، والعمل الفوريّ والسّريع والفعّال مطلوب في الحال، وللكلام تتمّة…