22-نوفمبر-2024

كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”: 

لا يمكن النظر إلى كلّ الارتجاجات السياسية والانقسامات القضائية المتسارعة من دون البحث عن تأثيرها أو موقعها في مسار البحث عن إنتاج رئيسٍ للجمهورية على قاعدة «اشتدّي أزمة تنفرجي»، على اعتبار أنّ مخاض الرئاسة قد بدأ فعلياً مع انطلاق كرَة الضغوط على امتداد الساحة اللبنانية، والتي سيُضاف إليها حتماً تسخين الشارع من مجموعات يتردد أنّ كثيراً منها بات تحت مظلة «التيار الوطني الحر»ّ بعدما كانت تحمل شعارات 17 تشرين، وخاصة في طرابلس والشمال.

هناك في الوسط السياسي، ومنهم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، من يعتقد أنّ «حزب الله» بدأ يسلِّم أنّه لا يملك الأغلبية النيابية والسياسية، وأنّ الظروف الدولية والإقليمية لن تُعطي لبنان الفرصة لتفاهم خارجيّ شامل، وأنّ الانهيار الشامل ليس في مصلحته، وبالتالي أصبح متقبِّلاً فكرة الوصول إلى رئيس جمهورية يقود مرحلة انتقالية، يحظى بقبول العرب، وخاصة المملكة العربية السعودية، وبعدم ممانعة من «الحزب»، وهذا يفتح الباب على حراكٍ داخليّ، من الواضح أنّ المتضرِّر الأكبر منه حليفا «الحزب»، جبران باسيل وسليمان فرنجية، لأنّ فكرة وصول رئيس ينتمي إلى معسكر الممانعة تصبح مع هذه الاعتبارات ساقطة حُكماً.

إنّ إعلان المعاون السياسي للرئيس نبيه برّي، النائب علي حسن خليل أنّه «إذا جمع رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية 65 صوتًا من دون الكتلتين المسيحيتين («القوات» و»التيار») سنمضي به، فأولويتنا التوافق لكن عندما تصبح المعركة معركة أرقام فكلّ طرف يقوم بمصلحته»، يحمل في طيّاته احتمالين:

– الاحتمال الأول: أن يكون الثنائيُّ الشيعيّ قد اتخذ قراراً حاسماً بكسر إرادة المسيحيين من بكركي إلى «التيار الوطني الحر» فـ»القوات اللبنانية» وبقية المكوّنات والمستقلّين على الساحة المسيحية، وهذا الاحتمال مُسَتبعَد لأنّه لن يسمح بتحقيق ما يعلنه فرنجية نفسه من أنّه يريد أن يكون رئيساً توافقياً، والأرجح أن يُبقي لبنان في دائرة الإفلاس لأنّ فرنجية لم يكن مُقنِعاً بشكلٍ كافٍ للعرب بأنّه قادر على إحداث التوازن المطلوب في الداخل ومع الخارج، وبالتالي، لن يكون عهده سوى امتداد لعهد جهنّم العوني.

– الاحتمال الثاني: أن يكون الثنائيّ الشيعي قد قرّر أن يلعب ورقة فرنجية ويحاول إيصاله، فإذا نجح يكون قد انتصر، وهذا مستبعد، وإذا لم يحصل على الأصوات المطلوبة، فسيكون «حزب الله» مضطراً لأن يقول له ما قاله لجبران باسيل، ثمّ الاتجاه نحو خيار يؤمِّن حالة توافق داخلي ورضىً دولياً وإقليمياً واضحاً، ويتمثّل بقائد الجيش العماد جوزاف عون.

هذا الاحتمال هو بالذات ما يخشاه ويرفضه ميشال عون وجبران باسيل، ويرجّح البعض أن تكون تجليات هذه الخشية في الهجوم على قائد الجيش مع العلم أنّ وزير الدفاع موريس سليم الذي نقل عنه أنّه قد يطلب إقالة قائد الجيش عاد ونفى أن يكون قد أطلق هذا التهديد، رغم علمه باستحالة هذا الأمر قانونياً لأنّ صلاحيات الوزير محصورة بطلب الإقالة وإحالته إلى مجلس الوزراء، ولأنّ الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، كما يؤكّد الخبير الدستوري سعيد مالك، ليس بإمكانها اتخاذ قرار من هذا النوع، لأنّه من القضايا التصرفيّة، وليس من قضايا تصريف الأعمال العادية، وبالتالي فإنّ إقالة قائد الجيش بحاجة إلى حكومة قائمة، فاعلة، تتمتّع بكامل الأوصاف القانونية للبتّ بهذا الخصوص.

ومع ذلك، تتوقع مصادر مطّلعة أن تتصاعد الحملة الباسيلية ضدّ قائد الجيش، لتتحوّل إلى صراع داخل وزارة الدفاع ليس حول الصلاحيات فقط، فالأسوأ هو أن يتحوّل الاحتكاكُ إلى اصطفافات، مع طرْح سيناريو خلق ثنائيّة صِداميّة تشبه ما حصل في القضاء، من خلال قرارات يُصدرها الوزير سليم، بالإضافة إلى حملة تطعن في إنجازات العماد جوزاف عون، وإشعال الشارع لإظهاره في مظهر العاجز عن ضبط الأوضاع في المؤسسة العسكرية وعلى الأرض، ووضعه في امتحان الاصطدام مع المتظاهرين من جديد.

لا يمكن الرهان على هدوء عون وباسيل، خصوصاً في ملف رئاسة الجمهورية، فهما متمسِّكان بالاستمرار في الضغط لفرض ترشيح باسيل على «حزب الله»، وهما متهمان بخرق الدستور قبل وأثناء وبعد ولاية عون الرئاسية. هذا الواقع يستدعي من كلّ القوى السياسية التركيز على حماية الجيش وتحصينه في وجه أيّ استهداف، لأنّ المسألة لا تتعلّق بانتخابات رئاسة الجمهورية، بل ترتبط بسلامة المؤسسة العسكرية ووحدتها وبقاء دورها الجامع وطنياً وأمنياً، وبضمان الاستقرار في البلد.