22-نوفمبر-2024

مِن المُرتقب أن يعقد المجلس المركزيّ لمصرف لبنان، يوم غدٍ الإثنين، اجتماعاً استثنائياً للتّباحث بارتفاع سعر الدّولار في السّوق المُوازية والإجراءات المُمكن اتخاذها للسّيطرة على الوضع.
الإجتماعُ المُزمع عقدُه برئاسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدأ يترافقُ مع هبوطٍ بسعر العملة الخضراء. وفعلياً، فإنه مع لحظة انتشار المعلومات عن الجلسة المُرتقبة للمجلس المركزي للمصرف، حتى بدأ الدولار بالتراجع، أمس السبت، لينخفض بنحو 700 ليرة في غضون ساعات. وحُكماً، الإنخفاض هذا وهمي وسببه المضاربون الذي بدأوا بتحضير أنفسهم لساعاتٍ قد تشهدُ على طرح مبالغ طائلة من الدولار في السوق قريباً، وتحديداً من قبل المواطنين.
بشكلٍ أو بآخر، فإنّ الكلام عن خطواتٍ من المصرف المركزي لضبط السّوق يعني أن الأخير قد يُبادر إلى إصدار تعميمٍ جديد يسعى من خلاله للجمِ ارتفاع سعر الدولار في السوق الحُرّة. وبالمعنى المباشر، فإنّ هذا الأمر يصفه بعض الخبراء بـ”التدخّل”، في حين أن البعض الآخر يعتبره شكلاً من أشكال المضاربة التي تؤدي إلى تخفيض السعر أو تأخير ارتفاعه من خلال سيولةٍ مُحدّدة لا يمكنها السيطرة على كافة تعاملات السّوق. واستناداً إلى كل ذلك، فإنّ ما يُسمّى “تدخلاً” من البنك المركزي سيكونُ حتماً عبر منصّة “صيرفة”، ما يعني أنّ التعميم الذي سيصدر خلال وقت قريب، قد يرتبطُ تماماً بتلك المنصّة التي يسعى مصرف لبنان لجعلها أساساً لكل التعاملات. وهنا، يُطرح السؤال: كيف سيكون هذا التعميم؟ متى سيصدر؟ وأين المصارف منه؟

بمعزلٍ عما ستتضمنه الإجراءات التي سيُعلن عنها مصرف لبنان، فإنّ العبرة تبقى بـ”الإستمراريّة” وبتأثيرها الفعلي على السوق من جهة، وبلجم المُضاربات من جهة أخرى. وأمام ذلك، فإنّ البنك المركزي اليوم يقف أمام تحدٍّ واحد ويتحدّد بقدرته على كيفية الاستمرار بضخّ الدولار من خلال “صيرفة” من دون أن يستخدمَ الموجودات التي يتحدّث عنها. وبمعنى أدق، فإنّ مصرف لبنان كان يتحدث عن موجودات يمكنه التصرّف بها بقيمة 9 مليار دولار، وقد برزت أصواتٌ من بعض الخبراء مؤخراً تشيرُ إلى مصير تلك الموجودات وعمّا إذا كان البنك المركزي سيوظفها ضمن السوق أو عبر “صيرفة”.
عملياً، فإنّ دخول تلك الأموال على سوق القطع هو أمرٌ مُستبعد تماماً لأسباب عديدة، أولها هو أنّ ضخ كتلة هائلة من الدولارات بشكلٍ غير مُنظم ومُفاجئ سيؤدي إلى إحداث هزّة ماليّة في السّوق، وهذا أمر لا يُمكن أن يطبّق في حالة لبنان الذي يعاني من عدم انتظامٍ في أسعار الصرف فضلاً عن انعدام الإستقرار المالي والسياسي على مختلف الأصعدة. أما الأمر الأهم فهو أنّ تلك الموجودات قد لا تكون متوافرة في لبنان، كما أنها قد لا تكون بـ”الكاش”، وبالتالي فإنّ عملية “تسييلها” ستكون صعبة.

متى سيُصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً؟

على صعيد التعميم الذي قد يُصدره مصرف لبنان، فإنّ الثغرة الأساسية المرتبطة به تتعلّق بقدرته على تلبية طلب السّوق من جهة، وعلى مدّته. وهنا، تقول مصادر مصرفيّة لـ”لبنان24″ إنّ أوّل هدفٍ من مصرف لبنان عبر التعميم سيكونُ من خلال امتصاص الليرة من السوق، وتضيف: “هذه المرّة، يُفكّر البنك المركزي بتعميمٍ قد يستمرّ مثلما حصل مع التعميم 161 الذي وفّر الرواتب بالدولار. حالياً، فإنّ التفكير يتركز على أمرٍ يوازي الـ161 ولكن بأدوات مختلفة، والأساس هو أنّ كافة الإجراءات ستكونُ على أساس صيرفة”.

بحسب المصادر، فإنّ التعميم سيكون موجهاً مباشرة إلى المصارف إذ من خلالها ستكون عملية تفعيل “صيرفة” مُجدداً، لكنّ الأمر المهم يرتبط بقدرة تلك المؤسسات على التفاعل مع التعميم. وهنا، تقول المصادر: “المصارف حالياً في حيرة من أمرها، والسؤال الذي يُطرح: هل ستلتزمُ بما سيطلبه منها مصرف لبنان؟ في الفترة الأخيرة، تبين أن هناك مصارف تخلفت عن تنفيذ تعميم مصرف لبنان، الأمر الذي أدى إلى اهتزازٍ كبير في السوق من خلال توقيف تفعيل صيرفة.. ولهذا، فإن الأمور ضبابية الآن”.

وعن توقيت التعميم، فإنّ المصادر تكشف أن المصرف المركزي قد يُصدره في وقتٍ قريب جداً خلال الأسبوع المقبل. لكنّ المصادر عينها رجّحت أن ترتبط الإجراءات من قبل مصرف لبنان بالمسار السياسي وما ستشهده البلاد من تطوّرات، وتحديداً على صعيد التحقيقات التي يُجريها الوفد القضائي الأوروبي بشأن قضايا ماليّة. والآن، فإنّ الأنظار تتجه إلى “الهمروجة” التي قد تحصل تزامناً مع تلك التحقيقات، لاسيما أنّ التدقيق المالي قد يُسفر عن تحديد مُرتكبين.

في الخلاصة، فإنّ ما يظهر عبر كل ذلك هو أنّ المشهديّة ضبابيّة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستصمد إجراءات مصرف لبنان طويلاً؟ ما هي الخطة البديلة التي قد يطرحها وهل هي موجودة أصلاً؟… التفاصيل ستُكشف قريباً ومع مسارٍ لا يمكن أن يستمر من دون إصلاحات مطلوبة، مالياً ونقدياً واقتصادياً وأيضاً سياسياً.

المصدر: خاص “لبنان 24”