كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
ربّما يكون أوّل قرار على الرئيس الأول لمحكمة البقاع الإستئنافية القاضي حارث الياس اتّخاذه بعد إنهاء إعتكاف القضاة، هو إزالة اسم سلفه عن باب مكتبه في قصر عدل زحلة ليضع اسمه أخيراً بدلاً منه، وذلك بعد نحو عام على تسلّمه مهمّات هذه المحكمة، محمّلاً بأعباء محكمتيْ بعلبك التي يرأس محكمتها بالوكالة، وزحلة التي يرأسها بالتكليف. هذا في وقت يصعب تخمين حجم الملفّات المتراكمة في المحكمتين، خصوصاً أنّ عجلة القضاء لم تسر بالسلاسة المطلوبة منذ جائحة «كورونا»، وما خلَفته من إضرابات واعتكافات.
في إشارة إلى حجم الملفّات المتراكمة، يرى أحد أبرز قضاة البقاع في دردشة مع «نداء الوطن» أنّ بتّ الملفات الجنائية في هذه المنطقة قد يحتاج الى ثلاث محاكم جنائية. وانطلاقاً من هذا الواقع بدا المشهد طبيعياً بالنسبة إلى الملفّات التي زاد تراكمها في مكتب قاضي جنايات البقاع مارون أبو جوده في أوّل دخول له إلى قصر عدل زحلة منذ إعلان اعتكاف القضاة. إذ لم تكن الملفّات على مكتبه الذي اجتاحه الغبار وحدها باستقباله، وإنما أيضاً أهالي الموقوفين الذين ينتظرون المحاكمات منذ فترة، وحاولوا التوسّط لدى أبو جوده لإعطاء ملفّاتهم الأولوية.
إلا أنّ الأولوية بدت بالنسبة إلى محكمة الجنايات خلال هذه المرحلة للنظر بقضايا الموقوفين في النظارات أولاً، بعدما تقرّر تعيين موعد لأول جلسة قضائية ستعقد منذ أشهر في محاكم البقاع، يوم الخميس المقبل، علماً أنّ القرار المتّخذ بالنسبة للقضاة هو تسريع جلسات المحاكمة والإستماع، وبالتالي، فإنّه حتى لو كان التوجّه لعدم حضور القضاة بشكل منتظم وثابت الى مكاتبهم، فإنّهم سينظرون بالملفّات التي بين أيديهم من منازلهم وأماكن إقامتهم. ومن هنا أيضاً فُهمت وظيفة حقائب القماش الكبيرة التي حملها القاضي أبو جوده من سيارته إلى مكتبه، بعدما باشر معاونوه بملئها بالملفّات ليحملها معه من جديد إلى منزله عند مغادرته قصر العدل.
غير أنّ الملفّات الجنائية ليست وحدها التي تكدّست في مكاتب القضاة، إنما تتحدّث مصادر قانونية عن تعطّل كلّ الجلسات الخاصة بالدعاوى المدنية، في وقت إستمرّ بتّ القضاء خلال مرحلة الإعتكاف الأولى بقضايا الموقوفين جزائياً وإخلاءات السبيل الملحّة جدّاً، قبل أن يتعطّل ذلك أيضاً خلال الأسابيع الماضية.
أمّا بالنسبة للقضايا المدنية كالأمور المتعلّقة بالتأجيرات وبالأحوال الشخصية والعقارية والسير والمالية وغيرها، فتؤكّد المصادر أنّه لم تعيّن أي جلسة ولا اتّخذ قرار فيها منذ ما قبل العطلة القضائية. وحتى لدى حضور بعض القضاة فقد صعُب على هؤلاء إصدار القرارات بغياب المستشارين. وهذا ما يجعل حجم العمل الذي سيواجهه قضاة البقاع عموماً في المرحلة المقبلة كبيراً جداً، وستبقى ملفّات عالقة لفترة طويلة، خصوصاً أننا سندخل بعد فترة في عطلة قضائية.
ومن هنا تقول المصادر إنّه إذا كان التوجّه هو لعدم حضور القضاة بشكل كثيف إلى المحاكم، فإنّ ذلك سيتطلّب منهم العمل بطاقة مضاعفة لدى حضورهم إلى قصر عدل زحلة، ولو أطالوا من ساعات انعقاد الجلسات والإستجوابات.
في المقابل، يبقى الأهمّ بالنسبة لأوساط المحامين إنتهاء الإعتكاف وتحريك العجلة القضائية، إذ يؤكد هؤلاء أنّ هذا الإعتكاف ترك تداعيات كبيرة ومباشرة على مسار قضاياهم، وهناك قضايا كان يُفترض أن تصدر أحكامها منذ أشهر وقد تأجّل ذلك حتى الآن لعام على الأقل. وقالت أوساط المحامين: «قد نعرُج في البداية، ولكن لا بد أن ننطلق مجدّداً في المستقبل، ويبقى الكحل أفضل من العمى».
في المقابل، يبدو العبء مستمرّاً على موظّفي قصر عدل زحلة، حيث يشلّ البرد حركة اليدين في إتمام المهام الورقية التي بين يديهم، هذا إذا توفر الورق وباقي القرطاسية. لا ميزانية إذاً لتأمين مازوت التدفئة في عدلية زحلة، فيما الكهرباء في تقنين حتى العاشرة صباحاً، وهو ما يجعل البرد يتمدّد من الممرّات الى كل المكاتب، قبل أن تضاء المدافئ والمكيّفات عند عودة التغذية. وإذا كان هذا الواقع متواصلاً منذ بداية فصل الشتاء، فإنّ للقرطاسية والنظافة حكاية أخرى، إذ إنّ دوائر عدلية زحلة لا تتلقّى وفقاً لأوساط الموظفين سوى كميات قليلة من أوراق الـA4 والهوامش المطلوبة، ولذلك يتدبّر الموظّفون أمورهم لسدّ العجز أحياناً من جيوبهم الخاصة، وأحياناً بالتعاون مع المحامين، فيما عقود متعهّدي النظافة في القصر إنتهت منذ مدّة، وبات على الموظّفين تأمين نفقاتها حتى لا يغرقوا بالوسخ. كلّ ذلك وسط إحباط يرافق هؤلاء الموظفين بتأدية واجباتهم جرّاء تدهور قيمة رواتبهم، وهذا ما يجعل البعض، كما يؤكّدون، يحضر إلى وظيفته فقط لإثبات الوجود إلى أن يتحسّن الحال يوماً ما، في وقت يعتبر البعض الآخر ذلك أيضاً مبرّراً لتقاضي الرشاوى.