22-نوفمبر-2024

كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”: 

قبل نحو عامين ونصف العام، أقرّت الحكومة التدقيق المالي الجنائي والمحاسبي ‏في حسابات مصرف لبنان. حينها كانت مطالبة أيضًا من فريق المعارضة بالتدقيق في ‏حسابات وزارة الطاقة والمياه، باعتبارها اوسع ابواب الهدر المالي استنادا الى الارقام التي ‏تشير الى انها كبدت الخزينة ما يناهز ثلث الى نصف الدين العام على مدى العقد الاخير. ‏وفي حين انطلق مسار التدقيق في حسابات المصرف المركزي بدفع من فريق العهد الذي ‏رفع مكافحة الفساد والتدقيق في الحسابات شعاراً له، معتبراً أنّه سيشكّل حجر أساس ‏الإصلاح في لبنان، لم يطرق التدقيق ابواب وزارة الطاقة حتى الساعة.‏

ومع انطلاق المسار السجالي المشتعل بين السراي الحكومي وميرنا الشالوحي على خلفية ‏السلفة المالية المطلوبة من الوزير وليد فياض لتمويل الفيول بعد إجراء المناقصة ورسو ‏البواخر على شواطئ لبنان  بانتظار التفريغ، وهي تكبد اللبنانيين يوميا خسارة تبلغ عشرين ‏الف دولار على كل باخرة وتجاوز اجمالي مبلغ غرامة الرسو 300 الف دولار حتى ‏اللحظة، بحسب فياض”، اقتحمت الوزيرة ندى البستاني المشهد السجالي تكرارا، وردت ‏على بيان المكتب الاعلامي للرئيس نجيب  ميقاتي مؤكدة في تغريدة “… سبقناك بطلب ‏تدقيق ‏جنائي بوزارة الطاقة ومن شد على ايدك بهيدا الموضوع. اكتر من هيك لازم تشرح ‏للرأي ‏العام انو حسابات وزارة الطاقة موجودة بمصرف لبنان وبوزارة المالية وتطالب ‏معنا ‏بالتدقيق الجنائي هونيك كمان…” والى الاشتباك انضم امس ايضا رئيس هيئة الشراء ‏العام جان العلية، مشيرا الى انه مستمر بمطالبته ‏بإخضاع كل الصفقات العمومية للتدقيق ‏الجنائي، فالتدقيق في مصرف لبنان غير كافٍ‎.‎‏ ولفت الى ان صفقات وزارة الطاقة كانت ‏تتم خارج الاسس والمبادئ القانونية ‏على مدى 10 سنوات ووزراء الطاقة يخالفون القوانين ‏ويرمون التهم لتغطية مخالفاتهم‎.‎

ازاء هذا المشهد الملتهب، وفيما لم يتوصل التدقيق في حسابات مصرف لبنان حتى الساعة ‏الى اي نتيجة تذكر، تقول مصادر مصرفية لـ”المركزية” ان السلطة السياسية الحاكمة، إن ‏رغبت عن حق في التدقيق والمحاسبة، فالطريق الاسلم يبدأ من النبع وأم الوزارات، وزارة ‏المال، التي تمتلك موازنة الوزارات كافة ويوافق عليها الوزير ،ولديها  ثلاث مؤسسات ‏تدقيق ومحاسبة من جانب الدولة، تدقق في حساباتها كما في حسابات المصرف المركزي ‏الذي تدقق في حساباته ايضا شركتان، اضيفت اليها ثلاث عالمية استعان بهما الحاكم رياض ‏سلامة ، وخلاصة تقارير مجمل مؤسسات التدقيق هذه، موجودة في وزارة المالية، فلماذا لا ‏يبدأ التدقيق في حسابات الدولة عموما والمشكوك في مصداقيتها في شكل خاص من هذه ‏الوزارة بالذات؟

وفي زمن الفضائح المالية التي تطال الادارات الرسمية تتجه البوصلة ايضا نحو وزارة ‏المال، تضيف المصادر، من النافعة إلى الدوائر العقارية وسائر المواقع التي تفوح منها ‏روائح سمسرات ورشاوى وفضائح يلمسها اللبنانيون يوميا لمس اليد، اذ ان مجمل حساباتها ‏ايضا تصب في وزارة المال. فإن كان في السلطة ثمة من يرغب بتدقيق جنائي شفاف ‏وهادف بعيدا من التشفي والتوظيف السياسي والمنطق الانتقامي السائد حاليا، واذا كان في ‏المنظومة بعد من يتطلع الى كشف حقائق من دون استنسابية وكيدية، فالدرب الاقصر يقود ‏نحو وزارة المال ليبدأ التدقيق في حسابات الدولة منها ويتفرع نحو سائر الوزارات ‏والمؤسسات. غير ان احدا في ما تبقى من هيكل دولة لبنان المنهارة لا يبدو في هذا الوارد. ‏تقاسم المغانم  ونهب خيرات الدولة وعائداتها كان وسيبقى، والرقص على جثث اللبنانيين ‏كذلك.‏