كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
قبل نحو عامين ونصف العام، أقرّت الحكومة التدقيق المالي الجنائي والمحاسبي في حسابات مصرف لبنان. حينها كانت مطالبة أيضًا من فريق المعارضة بالتدقيق في حسابات وزارة الطاقة والمياه، باعتبارها اوسع ابواب الهدر المالي استنادا الى الارقام التي تشير الى انها كبدت الخزينة ما يناهز ثلث الى نصف الدين العام على مدى العقد الاخير. وفي حين انطلق مسار التدقيق في حسابات المصرف المركزي بدفع من فريق العهد الذي رفع مكافحة الفساد والتدقيق في الحسابات شعاراً له، معتبراً أنّه سيشكّل حجر أساس الإصلاح في لبنان، لم يطرق التدقيق ابواب وزارة الطاقة حتى الساعة.
ومع انطلاق المسار السجالي المشتعل بين السراي الحكومي وميرنا الشالوحي على خلفية السلفة المالية المطلوبة من الوزير وليد فياض لتمويل الفيول بعد إجراء المناقصة ورسو البواخر على شواطئ لبنان بانتظار التفريغ، وهي تكبد اللبنانيين يوميا خسارة تبلغ عشرين الف دولار على كل باخرة وتجاوز اجمالي مبلغ غرامة الرسو 300 الف دولار حتى اللحظة، بحسب فياض”، اقتحمت الوزيرة ندى البستاني المشهد السجالي تكرارا، وردت على بيان المكتب الاعلامي للرئيس نجيب ميقاتي مؤكدة في تغريدة “… سبقناك بطلب تدقيق جنائي بوزارة الطاقة ومن شد على ايدك بهيدا الموضوع. اكتر من هيك لازم تشرح للرأي العام انو حسابات وزارة الطاقة موجودة بمصرف لبنان وبوزارة المالية وتطالب معنا بالتدقيق الجنائي هونيك كمان…” والى الاشتباك انضم امس ايضا رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، مشيرا الى انه مستمر بمطالبته بإخضاع كل الصفقات العمومية للتدقيق الجنائي، فالتدقيق في مصرف لبنان غير كافٍ. ولفت الى ان صفقات وزارة الطاقة كانت تتم خارج الاسس والمبادئ القانونية على مدى 10 سنوات ووزراء الطاقة يخالفون القوانين ويرمون التهم لتغطية مخالفاتهم.
ازاء هذا المشهد الملتهب، وفيما لم يتوصل التدقيق في حسابات مصرف لبنان حتى الساعة الى اي نتيجة تذكر، تقول مصادر مصرفية لـ”المركزية” ان السلطة السياسية الحاكمة، إن رغبت عن حق في التدقيق والمحاسبة، فالطريق الاسلم يبدأ من النبع وأم الوزارات، وزارة المال، التي تمتلك موازنة الوزارات كافة ويوافق عليها الوزير ،ولديها ثلاث مؤسسات تدقيق ومحاسبة من جانب الدولة، تدقق في حساباتها كما في حسابات المصرف المركزي الذي تدقق في حساباته ايضا شركتان، اضيفت اليها ثلاث عالمية استعان بهما الحاكم رياض سلامة ، وخلاصة تقارير مجمل مؤسسات التدقيق هذه، موجودة في وزارة المالية، فلماذا لا يبدأ التدقيق في حسابات الدولة عموما والمشكوك في مصداقيتها في شكل خاص من هذه الوزارة بالذات؟
وفي زمن الفضائح المالية التي تطال الادارات الرسمية تتجه البوصلة ايضا نحو وزارة المال، تضيف المصادر، من النافعة إلى الدوائر العقارية وسائر المواقع التي تفوح منها روائح سمسرات ورشاوى وفضائح يلمسها اللبنانيون يوميا لمس اليد، اذ ان مجمل حساباتها ايضا تصب في وزارة المال. فإن كان في السلطة ثمة من يرغب بتدقيق جنائي شفاف وهادف بعيدا من التشفي والتوظيف السياسي والمنطق الانتقامي السائد حاليا، واذا كان في المنظومة بعد من يتطلع الى كشف حقائق من دون استنسابية وكيدية، فالدرب الاقصر يقود نحو وزارة المال ليبدأ التدقيق في حسابات الدولة منها ويتفرع نحو سائر الوزارات والمؤسسات. غير ان احدا في ما تبقى من هيكل دولة لبنان المنهارة لا يبدو في هذا الوارد. تقاسم المغانم ونهب خيرات الدولة وعائداتها كان وسيبقى، والرقص على جثث اللبنانيين كذلك.