23-نوفمبر-2024

كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”: 

أنهى «الحزب» رسمياً القطيعة مع البطريركية المارونية، بزيارة رئيس المجلس السياسي لـ«الحزب» السيد إبراهيم أمين السيد إلى بكركي لتقديم المعايدة للبطريرك الماروني بشارة الراعي لمناسبة الأعياد؛ حيث تداول الطرفان في ملفات سياسية، ومن بينها استحقاق رئاسة الجمهورية، من غير أن يتطرقا لملفين خلافين بين الطرفين، هما ملف «الحياد» والمؤتمر الدولي، اللذين طرحهما الراعي في وقت سابق.

ولم يزر أي مسؤول بارز في الحزب مقر البطريركية المارونية خلال العامين الماضيين، رغم أن الاتصالات بين ممثلين عنه وممثلين عن البكركي بقيت مستمرة، عبر أعضاء لجنة الحوار. وتباين الطرفان حول ملفات أساسية، بينها طروحات بكركي حول «الحياد الناشط» وعقد مؤتمر دولي حول لبنان، وهو ما تحفظ الحزب عنهما، قبل أن يدخل ملف الرئاسة في لبنان مرحلة انغلاق، خاصة في ظل رفض مكونات مسيحية بارزة لحوار كان رئيس البرلمان نبيه بري بصدد الدعوة إليه، فيما تعثر انعقاد طاولة حوار آخر بين أبرز ممثلي الأحزاب المسيحية في بكركي.

وينطلق «الحزب» في مسعاه لتفعيل العلاقة مع بكركي من واقع، مفاده أنه «بلا حوار وتوافق، لا يمكن الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية»، بموازاة دفع بكركي لانتخاب الرئيس بأكثرية 86 نائباً (ثلثي أعضاء مجلس النواب) «كي يحظى الرئيس المقبل بتوافق عريض»، كما تقول مصادر مواكبة للقاء.

وأكد أمين السيد، بعد زيارة وفد من «الحزب» بكركي أمس، أن الراعي «أبدى حرصه على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأقرب فرصة»، قائلاً: «المطلوب التعاطي مع الملف الرئاسي بمسؤولية عالية لأن بلدنا يعيش بظروف صعبة، وانتخاب الرئيس له أولوية، لما يحمل موقع الرئاسة من مسؤولية كبرى». وشدد على أن الصفحة دائماً مفتوحة بينهم وبين الراعي، لكن أوضاع البلد من (كورونا) وغيرها تسببت بفسحة زمنية معيّنة، قائلاً: «الفسحة الزمنية بين المحبين تزيد من الشوق».

وأكد أمين السيد أنه «لا تباين مع الراعي، إنما تبادل لوجهات النظر انطلاقاً من الحرص على انتخاب الرئيس للقيام بواجباته تجاه لبنان». وشدد على أن «انتخاب الرئيس أمر ضروري، وله أولوية على كل الأمور الأخرى». وقال: «إذا تركنا البلد في هذا الشكل ينهار فما قيمة وجود رئيس في بلد منهار؟ ولذلك المطلوب الإسراع في انتخاب الرئيس».
كما دعا إلى «حوار حقيقي وجدّي بين الكتل النيابية للتفاهم على رئيس يتمتع بحدّ عالٍ من التوافق والمشروعية السياسية والشعبية، لا رئيس تحدّ أو رئيس كسر أو مواجهة». واعتبر أن «المطلوب الإسراع في انتخاب رئيس، وأن يجري حوار حقيقي في لبنان؛ خصوصاً في المجلس النيابي، وهو ما دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، للتفاهم بالحد الأدنى على رئيس يمكنه النهوض بالبلد».

وفي ما يخص العلاقة مع النائب جبران باسيل، قال: «التيار الوطني الحر تيار كبير، وله حيثيته، وباسيل لم يكن يوماً تحت مظلة (الحزب)، ونحن نعرف كيف نتفق معه وكيف ومتى نختلف معه». وعن إمكانية انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، قال: «لا فيتو على أحد، وندعو إلى التوافق».

ولم يتطرق النقاش أمس إلى ملفي «الحياد» و«المؤتمر الدولي» الخلافيين بين بكركي والحزب، فيما بدا أن اللقاء سعى لتجاوز الملفات الخلافية والنقاش في ملفات أسمى متصلة بتكوين لبنان القائم على الحوار، والبناء على نقاط أساسية، بينها التواصل والتفاهم في ملف الانتخابات الرئاسية ومواجهة الفراغ، حسب ما تقول مصادر مواكبة للّقاء، لافتة إلى أن ملفي الحياد و«المؤتمر الدولي» يحتاجان إلى توافق أيضاً بين المكونات، ولا يمكن الخوض بهما من دون إجماع المكونات الأساسية.

ويرفض الوزير السابق وديع الخازن، المُقرّب من بكركي، وصف المرحلة السابقة بالـ«قطيعة»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن الأسباب الموجبة فرضت تقنيناً التباعد القصري حيث لم تجتمع لجنة الحوار الإسلامي المسيحي إلا مرة واحدة في السنة الماضية، لكن ممثل «الحزب» الحاج محمد الخنسا، خلال الفترة الماضية، كان على تواصل دائم مع المعنيين في بكركي، مشدداً على «أن هناك نوايا طيبة لاستمرار الحوار والمحادثات والتواصل، التي أدّت، على الأرجح، إلى هذا اللقاء».

وقال: «هناك إصرار في الفاتيكان على تمتين العلاقات الإسلامية – المسيحية في لبنان، وعلى استمرار الحوار حول سائر الملفات، لأن صيغة لبنان تفرض هذا النوع من التواصل»، وهو ما كرّسه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني خلال زيارته إلى لبنان واصفاً إياه بـ«البلد الرسالة»، وأضاف: «خلال زيارتي الأخيرة إلى الفاتيكان، سمعتُ من وزير الخارجية الفاتيكان هناك، المونسنيور بول ريتشارد غلاغر، تأكيداً على هذا التوجه، وإصراراً على تمتين التلاقي الإسلامي – المسيحي بكل مكوناته، والمحافظة على صيغة لبنان الفريدة في هذا الشرق عبر هذا التواصل».

ولا ينفي الخازن الجمود الذي أحيط بالعلاقات اللبنانية منذ بدء الأزمة، ومن بينها العلاقة بين بكركي و«الحزب» اللذين تباينا حول مقاربة بعض الملفات، لكنه أكد أن التباين «لم يصل إلى القطيعة الكاملة، كونه اختلافاً في وجهات النظر، وهو أمر طبيعي في العلاقات السياسية والعلاقات بين المكونات». وأكد أن بكركي «لم تكن أبوابها مغلقة أمام أي أحد يوماً، فهي منفتحة على الحوار دائماً»، مشدداً على أن البطريرك الراعي «يتعاطى بإيجابية مع كافة المكونات، وتحديداً الحزب، ومؤكّداً أنّ لا سبيل إلى تفعيل مرافق الدولة وتنشيط الحركة الاقتصادية، إلا بإنجاز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن لأنّ الدولة بأجمعها في خطر إذا ما استمرّ هذا الاستهتار»، مشيراً إلى أن الرئيس اللبناني «هو الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأدنى الضامن لما تبقى من وجود مسيحي بالتكافل مع شركائه المسلمين».