كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
قبل يومين استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى لبنان اندرياس كيندل في السراي. الخبر أُدرج في سياقه الطبيعي لولا الخلاف الذي نشب بين ميقاتي وبين وزير الخارجية عبد الله بوحبيب على خلفية تقارير رفعها وهي مغايرة للواقع ومواقف طاولت شخصيات دينية وسياسية كانت مدعاة لفت نظر من بوحبيب قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وأثارت الزيارة إستياء الخارجية التي رأت مصادرها في استقبال رئيس حكومة لبنان للسفير الذي تجاوز حدود عمله الديبلوماسي في التعاطي ومن دون العودة الى الجهة المعنية به، تجاوزاً لدور الوزارة وتعاطيها مع السفراء خاصة وأن ميقاتي أثنى على عمل السفير وأشاد بمساهمة بلاده في دعم النازحين السوريين وهو الذي يدعو الى إبقائهم في لبنان ويعارض عودتهم الى بلدهم الأم. ينذر ما حصل بتوسّع الشرخ الحكومي وزيادة التباعد بين رئيسها والوزراء خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها ميقاتي الخارجية بدل التنسيق معها حفاظاً على مصالح لبنان .
وفي تعليقها على موقف ميقاتي تقول مصادر الخارجية «لا يحق لرئيس حكومة تصريف الأعمال أن يستقبل السفير ويشيد به من دون أن يقف من الشخص المعني أي وزير الخارجية على حقيقة ما جرى» . تعود بداية الخلاف مع السفير كيندل، والذي بدأ منذ فترة، إلى خلفية مواقفه من النازحين السوريين وانتقاداته المتكررة للمسؤولين اللبنانيين. قصد الخارجية شاكياً من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم لعدم سماح الأمن العام للنازحين من قاصدي سفارة بلاده في لبنان بالدخول عبر الحدود اللبنانية، ما يخالف إتفاقية فيينا فأجابه الوزير «أي اتفاقية تلك التي تسمح لمواطن أن يقصد بلداً غير بلده طلباً للفيزا. لا أعرف عما تتحدث ولا بد أن أراجع الشخص المعني لأفهم حقيقة الموضوع». ومن خلال التدقيق تبيّن أنّ السوريين المتوجهين عبر الحدود اللبنانية لزيارة السفارة الألمانية في لبنان يسمح لهم بالدخول خلافاً لما قاله السفير لكن أعدادهم المتزايدة كانت مدعاة استغراب، وقد ارتفع من 180 نازحاً تقريباً الى ما يفوق 250 نازحاً يومياً بحجة زيارة السفارة ولكنهم ورغم ذلك كان يسمح لهم بالعبور.
بعد ذلك أوضح الوزير حقيقة الأمر للسفير وقال له إن «ما يقوم به اللواء إبراهيم نظامي بينما ما تقوم به أنت على أرض لبنان من تحريض وبث أخبار غير صحيحة للمنظمات الدولية هو المخالف لاتفاقية فيينا»، متمنياً عليه التزام حدود عمله الديبلوماسي خاصة وأن السفير قصد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وبرر زيارته أمام وزير الخارجية أنها تتعلق بالإستفسار عن مواطن ألماني توفي جراء انفجار المرفأ، وراح يتحدث أمام صحافيين بتهكم متناولاً شخصيات دينية وأمنية وسياسية لبنانية.
وهذا أيضاً كان موضع إدانة من وزارة الخارجية التي أبلغته أن بلاده دولة صديقة تُشكر على تعاونها ومساعداتها للبنان و»لكن أرجو منك التزام حدود عملك بعدم التعرض للأشخاص في حديثك السياسي لأن البلد مفتوح والمخاطر كثيرة». وهو ما فهمه السفير على أنه تهديد وأرسل تقارير إلى بلاده والمنظمات الدولية في هذا الشأن علماً أنّ مصادر الخارجية تقول إن اللقاء في الخارجية انتهى بإيجابية وتواعد والوزير على اللقاء بعيد الأعياد .
الموضوع وإن كان انتهى من قبل الخارجية التي اعتبرت أنها أوصلت رسالتها كما يجب إلا أنّه تفاعل في أوساطها بعيد استقبال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السفير الألماني وإصدار بيان إشادة بعمله ومن دون أن يستفسر من وزير الخارجية عن مجريات ما حصل. تقول المصادر مستغربة إنها ليست المرة الأولى التي ينحو ميقاتي في هذا الإتجاه. منذ فترة اتهم رئيس مفوضية اللاجئين المسؤولين في لبنان أنهم سبب لإثارة الحساسيات بين اللبنانيين والنازحين السوريين، وبينما اعترضت الخارجية على كلامه استقبله رئيس الحكومة بالترحاب وحين استفسره بوحبيب اكتفى بالإجابة «لم أصدر بياناً للإعلام عن زيارته». مصادر الخارجية استغربت خطوة رئيس الحكومة وبيان الإشادة بالسفير وهو الرئيس المؤتمن على سيادة لبنان لا سيما في ظل غياب رئيس للجمهورية. وتساءلت «هل يمكن تمرير تجاوزات السفير من دون لوم أو التباحث مع الوزارة المعنية بشأن ما حصل بينهما؟ وهل المقصود تجاوز الوزير والتنصل من موقفه أمام السفير؟».
وتستغرب كيف يعمل رئيس الحكومة على معالجة قضية من دون العودة الى الجهة المعنية بها مباشرة. كان يمكن التشاور معه ولو عبر رسالة «الواتس آب» وحفظ موقع الخارجية أمام السفراء المعتمدين لا التفرد والإشادة بعمل سفير تجاوز حدود عمله. وزير الخارجية الموجود خارج البلاد رفض التعليق على استقبال ميقاتي للسفير الألماني متريثاً الى حين عودته الى لبنان لإعلان موقف مما حصل. وقبل يومين زار السفير الألماني وعدد من السفراء اللواء إبراهيم الذي أوضح الإجراءات المتبعة لدخول السوريين قاصدي السفارات في لبنان وضرورة الإبلاغ قبل 48 ساعة وهي كانت معتمدة قبل كورونا ثم استؤنف العمل بها مجدداً والقصد منها التأكد من هوية الزائرين وهدفهم وحماية أمن السفارات.
مصادر متابعة قالت إن السفير انتقد طريقة التعاطي لكنه سمع كلاماً مفاده أن لبنان يقدر علاقته مع ألمانيا، وأن لا شيء موجه ضده والأخطاء تعالج بطرق ديبلوماسية. مصادر أخرى انتقدت كيف أن السفير يتحرك في لبنان ويتعاطى مع موضوع النازحين وكأن لا دولة في لبنان ويبدي إنحيازاً واضحاً لأمور تتعارض وسياسة لبنان وتعاطيه.