محدودةٌ هي الروايات التي وصّفت الاعتداء الأخير على دوريّة لقوات “اليونيفيل” في منطقة العاقبية – جنوب لبنان قبل يومين. فبالنسبة لما جرى، فإنّ ما بات معروفاً هو التالي: الدورية ضلّت مسارها أثناء توجهها من الجنوب باتجاه مطار بيروت الدولي، فسلكت طريقاً داخلياً بدلاً من الأوتوستراد الساحلي. حتماً، الأمر هذا أثار استنفار عدد من الشبان في العاقبية، فوقع احتكاكٌ “مألوف سابقاً” مع الدوريَّة التي اصطدمت بسيارات ومُواطنين أثناء محاولتها مغادرة المنطقة، لكنّ الضربة الأكبر كانت في تعرض آليات “اليونيفيل” لإطلاق نارٍ غير معروف المصدر، وهُنا بيت القصيد.
في الدلالات الأمنيّة لما جرى، تظهرُ الرسائل الخطيرة التي لا تنحصر بقوات “اليونيفيل” فحسب، بل بأمن الجنوب ككل وبعلاقة أهله مع تلك القوّات بشكل خاص. وعملياً، فإن العاقبية لا تقعُ ضمن النطاق العملياتي لـ”اليونيفيل”، فهي ليست “ممراً” أو مقراً لها في ظلّ وجود الطريق السّريع الذي يربط الجنوب ببيروت. إلا أنه رغم ذلك، فإنّ أهالي المنطقة لا يعارضون أبداً وجود تلك القوات ولا يرون في تنقلاتها أية استفزاز، لكن ما حصل هناك يرتبطُ بسيناريوهات تكشف عن “ثغرة” كبيرة كادت تودي إلى توتر كبير.. فما القصّة من وراء ذلك؟
في بادئ الأمر، من لا يعرف العاقبية ومكان الحادث بالتحديد، سيبدأ بـ”ضرب الأخماس بالأسداس” وإسداء نظريات من هنا وهناك. ولإنهاء أي تأويل، فإن الحادثة وقع عند الطريق القديمة التي تربطُ صيدا بصور، وهناك تُعرف المنطقة بـ”الطريق البحرية” القديمة التي تعجّ بالمتاجر والمحلات. وبشكل عام، فإنّ محور الشارع الذي شهد حادثة إطلاق النار يُمكن وصفه بـ”وسط تجاري” للمنطقة مع وجودِ وحدات سكنية فيه. وهناك، يبرزُ مفترق أساسي يقود أي سائق نحو الأوتوستراد الساحلي، إما لاستكمال طريقه نحو الجنوب وإما للتوجّه نحو بيروت.. ولكن، أين المشكلة؟
في الحقيقة، فإنّ المُشكلة تكمنُ في أمرٍ لم ينتبه له الكثيرون، وهو أنّ المنطقة التي وقع فيها الحادث تضمّ جماعات مختلفة من النازحين السوريين. فهناك، تسكنُ عائلات كثيرة من النازحين ضمن منازل عشوائية، والأمر الأكثر بروزاً هو أن الكثير من الأهالي اشتكوا سابقاً من حصول تجمعات غير اعتيادية لشبان من النازحين في بقعة الحادث في أوقات متفاوتة. وهنا، فإن بعض الأهالي طرحوا فرضية أن تكونَ هناك يدٌ “غريبة” بين صفوف النازحين للإقدام على ما جرى وإدخال المنطقة وأهلها بصراعٍ مع قوات “اليونيفيل” التي تعيش مع ابن الجنوب منذ أكثر من 40 عاماً وسط أجواء من المحبة والتآلف.
وفي ظلّ ذلك، فإنه من المتوقع وعند بدء الجيش بمداهماته وتوقيفاته في إطار التحقيق بالحادث المشؤوم، أن تطال الحملة الأمنية تجمعات النازحين السوريين هناك. وإلى جانب ذلك، فإن لجنة التحقيق الإيرلندية التي تصل إلى بيروت، اليوم، للمشاركة بالتحقيق قد تقود نحو خيوط أكثر تفصيلاً بالنسبة للقضية. أما بالنسبة لأهالي العاقبية، فإنّ الأمور هناك مجهولة تماماً وما من أحد يعرف ما يحدث في أوساط النازحين. أما في ما خصّ “حزب الله” و “حركة أمل”، فإنّه لا انتشار حزبياً لهما في نقطة الحادث، بمعنى أنه لا نقاط لعناصر ثابتة للحزب أو للحركة هناك، وقد أشارت مصادر مقربة من الحزب لـ”لبنان24” إلى أنّ مبادرة الأول لاستدعاء عناصر منه إثر الحادثة، يندرجُ في إطارِ الإستطلاع لمعرفة ما حصل ولتقديم معلومات ومعطيات بشأن الأمر، وأضافت: “الأمرُ لا يرتبط بتوقيف بقدر ما هو يرتبط بإطلاع وهذا الأمر أساسي لجلاء الحقيقة”.
إذاً، وأمام كلّ ما حصل، فإنّ ما قد يحصلُ لاحقاً بشأن تحركات “اليونيفيل”، سيستدعي دراية أكبر من قبلها ومن قبل الجيش. إلا أنّ الأمر الأهم فيرتبطُ بنظرة أهالي الجنوب لتلك القوات عقب تلك الحادثة. وهنا، يقول أحد أبناء بلدة أنصارية القريبة على العاقبية لـ”لبنان24”: “الحادثة التي وقعت أثارت استنكار الجميع بقوة باعتبار أنها مسّت بأمن المنطقة أولاً، وثانياً استهدفت قوات اليونيفيل”، ويضيف: “لمن يشكك بعلاقة ابن الجنوب مع اليونيفيل، فإن عليه أن يعلم بأن هناك زيجات حصلت بين عناصر من اليونيفيل وشابات من الجنوب. تلك القوات كانت وما زالت تقدم الدعم للناس والمزارعين، في حين أنها لم تعتدِ على أحد ولم تشكل أي استفزاز لأي جهة، كما أن التنسيق بينها وبين الدولة اللبنانية قائمٌ وكبير. ولهذا، فإنه من المستبعد أن يكون الأهالي قد وجدوا في دخول اليونيفيل إلى منطقتهم استفزازاً أو اعتداء عليها”.
ختاماً، لا يُمكن استبعاد عدم تكرار أي احتكاكٍ بين قوات حفظ السلام وشبان في الجنوب. ففي السابق، حصل هذا الأمر لكنه لم يتطور إلى إطلاق نار. ولهذا، فإن المرة هذه تكشف عن ثغرة ترتبطُ بأماكن مشبوهة، والأساس حالياً يرتبطُ بضرورة كشفها بأسرع وقتٍ ممكن.
المصدر: “لبنان 24”