كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
من دون إعلان مسبق، عقد مجلس القضاء الأعلى إجتماعاً أمس شدد في أعقابه على «عدم السماح بأيّ تدخل في القضاء وبأي تعرّض للقضاة» وذلك رداً على الإنتقادات التي سيقت بحق القضاة المعتكفين عن العمل. من سياق البيان يمكن القول وكأنّ مجلس القضاء الأعلى إنما أراد تجييش القضاة بينما كان المنتظر أن يتضمن البيان دعوة لحملهم على العودة إلى عملهم لبت قضايا الناس ليكون المجلس من أوائل العاملين على حلّ مشاكل القضاة بالفعل لا بالتمني.
ورغم تجنبّه الدخول في «سجالاتٍ تُفقِد مطلقيها ما يسعون إليه من اسهاماتٍ ترمي إلى تكريس دولة القانون والعدالة» إلا أنّ بيان مجلس القضاء الأعلى لم يخل من المساجلة في كونه أولاً وأخيراً ورد في معرض الردّ على كلام نقيب المحامين ناضر كسبار الذي دعا فيه القضاة للعودة عن اعتكافهم داعياً وزير المالية لوقف صرف رواتبهم طالما أنهم معتكفون.
كان المنتظر أن يعاود مجلس القضاء إجتماعاته لبت جدول أعمال حافل بالموضوعات الحساسة والتي تحتاج الى بتّها، اليوم قبل الغد، أهمها موضوع تعيين القاضي الرديف والبت بملف قضاة محاكم التمييز والبحث في إيجاد حل جذري لاعتكاف القضاة، إلّا أنّ المجلس عقد إجتماعه من دون إعلان وبكامل أعضائه خلافاً لما درجت عليه العادة حين يكون الموضوع في غاية الأهمية.
كما لم يدرج رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود على جدول البحث كتاب وزير العدل المتعلق بالبت بملف تعيين القاضي الرديف بينما القضية لم تعد تحتمل تأجيلاً ما اضطر وزير العدل هنري خوري إلى إرسال نسخة ثانية عن الكتاب عينه ولم يلق الجواب اللازم بعد.
كثيرة هي المواضيع القضائية العالقة والتي تحتاج إلى البتّ لكن مجلس القضاء الأعلى إعتبر أنّ كل الملفات العالقة من قضايا المرفأ والموقوفين والقاضي الرديف أي السير بتحقيق المرفأ ليس أولوية بل الأهم هو الإجتماع للتأكيد على وحدة الجسم القضائي ورفض المسّ به أو التعرض له وانتقاده. ومن قال إن المجلس لا يحرّك ساكناً متى تمّ المس بوجوده.
كلّ ما يشهده القضاء بكل علّاته وانقساماته والتعطيل اللاحق بعمل المحامين والمحاكم والموقوفين ظلماً لم يحرك مجلس القضاء الأعلى في حين حرّكته الدعوة لعودة القضاة الى مباشرة عملهم. كان حري بالمجلس وعوض الدفاع عن نفسه أن يتوجه للقضاة لمناشدتهم العودة إلى العمل والبتّ بقضايا الناس بدل الغمز من قناة المحامين ونقيبهم.
مضى على اعتكاف القضاء عدة أشهر والمجلس لم يحرك ساكناً وهو اليوم في بيانه وكأنّه يدعوهم ضمناً للإستمرار في اعتكافهم على حساب لقمة عيش قطاعات أخرى.
في رده على البيان، قال نقيب المحامين ناضر كسبار في اتصال مع «نداء الوطن» إنّ القضاة يتقاضون رواتبهم من الدولة ومن حقنا أن ننبههم إلى عملهم»، متابعاً «ليس من حقهم القول بعدم التدخل في أمورنا وعملنا معلق بعملهم. نحن نقدر عمل القضاة الذين يواصلون عملهم رغم الصعوبات وسبق وتوجهنا بالتحية الى مجلس شورى الدولة الذي لم ينقطع عمله يوماً مع قضاة آخرين». واعتبر كسبار أنّ القضاة أنما هم «يستنكفون عن تحقيق العدالة «.
وعن اعتبار مجلس القضاء ضمناً إنتقاد القضاة تدخلاً في شؤونهم قال كسبار «نعم نحن نتدخل في عملهم لأنّ عملنا متوقف بسببهم، مئات المحامين لم يعد بمقدورهم تأمين لقمة عيشهم ومن حقنا أن نطالبهم بالعودة إلى عملهم وقد سبق وأمّنا لهم راتباً بقيمة ثلاثة أضعاف راتبهم بالتعاون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير العدل»، مستغرباً كيف أنّ المجلس بات بمقدوره الإجتماع اليوم وفجأة، محذراً من أن عدم عودة القضاة الى عملهم سيضطر النقابة إلى إتخاذ مواقف أكثر تشدداَ «لن نقبل أن يموت المحامي من الجوع. كنا نحكي عن مصالح الناس والموقوفين لكن الموسى وصلت الى ذقننا ولن نسكت».
وكان مجلس القضاء قال في بيانه عقب الإجتماع «إنّ توقف القضاة القسري عن العمل، لم يكن خياراً، بل واقعاً مفروضاً عليهم»، معتبراً أنّ «انتهاء توقف القضاة القسري عن العمل، مرتبط بجملة أمورٍ، أولها الإرادة الواضحة في إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية، وتصحيح الوضع المادي للقضاة بالحدّ المفترض والثابت، وتأمين المقوّمات التجهيزية الضرورية لتأمين سَير العمل في المحاكم». وقال البيان إنّ المجلس «لا يسمح بأي تدخلٍ في القضاء، وبأي تعرّضٍ للقضاة، ويعتبر أنّ مثل هذا الأمر غير مقبول ومرفوض ومتعارض مع ما يمثلّه القضاء من سلطة دستورية مستقلّة».