جاء في “الراي” الكويتية:
تَشابَكَتْ الرمزياتُ والرسائل في المؤتمر الوطني الذي أقيم أمس، في الذكرى 33 لإبرام اتفاق الطائف بدعوة من السفير السعودي في بيروت وليد بخاري، في الوقت الذي تقف «جمهورية الطائف» أمام منعطفٍ خطر في ضوء «الأعطال المدبَّرة» أو التي تَنْفَذ من ثغر دستورية والتي يُراد أن تجعل النظامَ السياسي… ولّاد أزمات.
وأي مفارقةٍ أن تكون الذكرى 33 لاتفاق الطائف الذي بدأت «الخطوات الأولى» في اتجاه بلوغه بعد الفراغ في سدة الرئاسة الأولى العام 1988 عقب انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل (وتسلُّم قائد الجيش آنذك العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية انتقالية) مع اللجنة السداسية العربية التي ترأسها سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد (وكان آنذاك وزيراً للخارجية)، فيما لبنان يعيش حالياً مع انقضاء عهد الرئيس ميشال عون، ثالث شغور رئاسي على التوالي (منذ 2007) في الجمهورية الثانية التي عَرفتْ:
* «نسخةً سوريّة» من اتفاق الطائف (بين 1990 و2005) كانت معها دمشق الناظم الأمني والسياسي للواقع اللبناني وتناقضاته السياسية والطائفية والمذهبية.
* و«الطبعة الثانية» التي حَكَمَتْها موازين القوى وصراعٌ داخلي بامتداداتٍ إقليمية خيض بأدوات «غير متناسبة»، من «حزب الله» الذي استخدم «قواعد اشتباك» من طبيعة «حربية» فيما انتظم خصومه مما كان يُعرف بائتلاف قوى 14 مارس خلف معادلة «التوازن السياسي» مع السلاح بقوة الإمساك بـ «الختْم الشرعي» في البرلمان، قبل أن يُفْضي الإفراط في «الواقعية السياسية» تحت ضغط الضربات المتتالية من الحزب بـ «القوة الناعمة» أو بـ «أنيابه» المتعددة، إلى فرْط هذا الاتئلاف وتَبَعْثُره.
وعلى وقع المخاوف التي عزّزتْها محاولاتٌ لإرساء طاولة حوار أو أكثر في الخارج لبحث الأزمة اللبنانية وأثارت «نقزةً» من نيات مبيتة للانقضاض على اتفاق الطائف وتوازناته عبر «مؤتمر تأسيسي» أو ما شاكل وذلك تتويجاً لمسارٍ مُنْتَظِم من «تعديلاتٍ جينية» جرى دسّها في ممارسة السلطة في العقد الأخير وصولاً إلى عهد عون، جاء «منتدى الطائف» والمشاركة اللبنانية الحاشدة والجامعة فيه ليعاود تثبيت هذا الاتفاق ودستوره بصفته «الوعاء» الوحيد القادر حالياً على تشكيل «منصة خلاص» للبنان من الانهيار الشامل الذي يعيشه والذي لم يعرف مثله في تاريخه، بعدما كان «الطائف» شكّل «الحمّالة» التي نُقلت «بلاد الأرز» على متنها من حرب الـ 15 عاماً إلى رِحاب سلام… لم يكتمل.
ولم يكن عابراً في «مؤتمر الطائف» البيروتي (في قصر الاونيسكو) الذي أطلتّ السعودية من خلاله كـ «خيمةٍ» وراعية للوحدة الوطنية ومرتكزاتها القائمة على «قوة التوازن» وليس «ميزان القوى» ووجّهت رسالة لا لبس فيها إلى أنها «لم تتخلّ» عن لبنان، أن يحضر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورؤساء أحزاب وممثلون لرئيس البرلمان نبيه بري ولـ«التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس السابق ميشال عون) وللبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان ورؤساء طوائف آخرون وحشد من الشخصيات.
وفي حين عَكس حضور المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ودعوتها إلى «شحذ الهمم لتطبيق اتفاق الطائف التاريخي بما يضمن استقرار لبنان» استمرار الغطاء الأممي لدستور الطائف، وسط توقُّف أوساط سياسية عند غياب النائبة السابقة بهية الحريري كما الرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني الذي يُعتبر «عرّاب الطائف» و«أمين صندوقة أسراره» ومداولاته، فإن حضور رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية المطروح بقوةٍ في السِباق الرئاسي وإن من دون ترشيح معلَن، شكّل مفاجأةً قيست في «الميزان الرئاسي» وتحديداً من زاوية عدم وجود «فيتو» حاسِم خارجي عليه، فاعتُبرت إطلالته من «بوابة الطائف» في مرحلة الشغور بمثابة استظلالٍ لهذا الاتفاق لإعلان أنه يمكن أن «يشْبك» مع تقاطعاتٍ ترتكز على وثيقة الوفاق الوطني كعامل جمْع داخلي ووصْلٍ مع الخارج.
وإذ قال فرنجية على هامش المنتدى رداً على سؤال حول اذا كان اهتمامه بالطائف بداية مشوار لرئاسة الجمهورية «كل عمرنا يهمّنا الطائف ونحن جزء منه ولم نأت من أجل الرئاسة بل دُعينا ولبّينا الدعوة»، معلناً: «حلفائي ليسوا ضد الطائف ولذا حضوري لن يؤثر على علاقتي معهم»، كان بارزاً أن رئيس«الحزب التقدمي الاشتراكي»وليد جنبلاط الذي حضر ايضاً المؤتمر كان جازماً بتأكيده«لا أقبل بسليمان فرنجية رئيساً ومرشحنا حتى الآن هو ميشال معوض».
وكان المؤتمر الذي شارك فيه الديبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، الذي كان المبعوث الخاص للجنة الثلاثية برئاسة الملك فهد بن عبدالعزيز وملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، شهد إعلان بخاري أنّ فرنسا أكدت للسعودية أنّه «لن يكون هناك أيّ نية أو طرح لتغيير اتفاق الطائف»، لافتاً إلى «أن مؤتمر اتفاق الطائف يعكس اهتمام السعودية وقيادتها بالحفاظ على أمن لبنان ووحدته واستقراره والميثاق الوطني». وقال:«نعوّل على حكمة القادة اللبنانيين وتطلعات الشعب الذي يسعى للعيش باستقرار (…) ونحن بأمسّ الحاجة إلى تجسيد صيغة العيش المشترك والحفاظ على هوية لبنان وعروبته».
من جهته، أثار جنبلاط في كلمته مسألة عدم تطبيق بند إنشاء مجلس الشيوخ الوارد في الطائف، معتبراً أنّه «قبل البحث في تعديل الطائف علينا تطبيقه أولاً للوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية»، مؤكداً في موضوع رئاسة الجمهورية «ان المعركة الكبرى ليست الآن في صلاحيّات الرئاسة الواضحة دستورياً وسياسياً بل في انتخاب الرئيس ولاحقاً تشكيل حكومة ذات صدقية تطلق الإصلاحات المطلوبة للبدء بالانقاذ الاقتصادي والمالي».
وكان ميقاتي شدد قبيل المؤتمر على أهميّة اتفاق الطائف باعتباره ركيزة أساسيّة لإنهاء الحرب الأهلية قبل نحو 30 عاماً، وقال: «هذا اليوم رمزيته مهمة جداً والمؤتمر ينفي أن السعودية تركت لبنان، والحضور الكبير يشيرُ إلى تثبيت مضامين الطائف الذي لايزال الاتفاق الأصلح لتطبيقه».
وأضاف: «نحرص في الحكومة على القيام بواجباتنا ولأن الدستور والقوانين تنصّ على القيام بتصريف الأعمال سنقوم بها وإلا سنُحاكم، ولا أعتقد أن أي وزير سيتقاعس عن هذا الدور الوطنيّ».
وجاء هذا المؤتمر الحاشد عشية دخول البلاد الأسبوع الثاني من الشغور الرئاسي، وسط عدم تعويل على جلسة الـ«لا انتخاب» الخامسة التي دعا إليها بري يوم الخميس، وتَعاظُم الخشية من انزلاق البلاد إلى فوضى شاملة قد «تخرج عن السيطرة» في الوقت الذي تتصاعد المخاوف من تشظّي مظلة الدعم التي تحاول بيروت استعادتها للواقع اللبناني درءاً لـ«عواصف الفراغ» كما سعياً وراء «طريق مختصر» يوصل «التايتنيك» اللبنانية إلى برّ الأمان.