23-نوفمبر-2024

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

ما هكذا خطّطت عائلة الطالبة الشابّة ماغي محمود عندما قررت إرسالها إلى المدرسة. ولا هو المصير الذي انتظروه. فماغي (16 سنة) وكأيّ طالبة من أبناء جيلها، تتابع تحصيلها العلمي بدعمٍ من عائلتها لتصل إلى أعلى المراتب؛ فترفع اسمها واسم عائلتها بعلمها وطموحها وشهاداتها… ولم يتوقّعوا حمل جثة ابنتهم وهي في ريعان شبابها بعد انتشالها من تحت سقف صفها المنهار نتيجة إهمال الدولة وتقاعس المسؤولين عن القيام بواجباتهم.

لا شك أنّ سقوط جزء من سقف الصف الثاني الثانوي في ثانوية القبّة الرسمية الثانية المختلطة (الأميركان) في جبل محسن في مدينة طرابلس أمس، شكّل فاجعة ليس فقط لعائلة ماغي إنما لكل العائلات التي تكدح وتتعب لكي تؤمّن تحصيل أبنائها وبناتها للعلم. والفاجعة لا تخصّ طرابلس فقط، فقد خيّم حزنها على الكثير من المناطق بمجرّد سماع خبر وفاة الطالبة ماغي محمود وجرح زميلتها شذى درويش، التي نُقلت إلى مستشفى النيني لمزيد من العلاج ووُصفت حالتها الصحية بالمستقرة.

الأربعاء 2 تشرين الثاني وككل يوم من أيام المدرسة، ارتدت ماغي ثيابها وحملت كتبها وهمّت بالذهاب إلى الثانوية. ودّعت والدتها التي طلبت منها عدم التأخّر لأن هناك «طبخة بتحبها» في انتظارها. لم تكن ماغي تعلم، ولا والدتها أنه سيكون الوداع الأخير… «إن شاء الله بشوفك أحلى دكتورة» كانت الجملة الأخيرة التي قالتها الأم لابنتها. ساعات قليلة وحلّ الخبر الأليم الصادم: «ماغي شهيدة الاهمال بعد سقوط سقف الصف على رأسها». في هذا اليوم كانت ماغي تجلس على كرسيها، تتابع صفوفها. لم تكن تدري أنها ساعاتها الأخيرة في هذا العالم. جسرٌ حديدي سقط من السقف المتهالك فكسر رأسها وظهر زميلتها شذى. في الصف المبعثر صور مأسوية للغاية. لم يعد هناك أيّ أثر لقلم أو لدفتر أو لكتاب. لا أثر إلّا للموت ورائحته وبقع الدماء، ولعذابات ماغي ورفيقاتها في يوم رعبٍ عشنه في أكثر الأماكن التي يفترض أن تكون آمنة بالنسبة إليهن.

في أجواء الحزن والغضب شُيّعت ماغي بعد ظهر أمس في جبل محسن إلى مثواها الأخير، وقد لفّت تلك المشاهد السوداء كل طرابلس، فنفّذ الأهالي أكثر من تجمُّع بين محيط المدرسة وساحة جبل محسن، مطالبين الدولة بتحمّل مسؤولياتها والإقتصاص من المتسببين بهذا الإهمال. الحادثة دفعت بالكثيرين إلى التساؤل عن مسؤولية الإدارة كونها سمحت بالتعليم في صف سقفه آيل للسقوط! وهل بالفعل تم إبلاغ وزارة التربية عن الأمر وهي أرسلت لجنة للكشف وأفادت بأن المبنى صالح للتعليم؟

وفي وقت طالبت الهيئات التربوية وزارة التربية بإعلان حداد في لبنان عن روح ماغي واستنكاراً لما حصل، أعادت الحادثة إلى الواجهة طرح اشكالية قديمة-جديدة تعاني منها مدينة طرابلس وتتمثّل بالمباني الآيلة للسقوط، والتي قال عنها النائب أشرف ريفي في تغريدة عبر «تويتر» بأنّ «عددها 400». هذه المباني تتوزع بين مدارس ومبانٍ سكنية ودوائر رسمية، وتكاد لا تمر سنة إلا وتخسر طرابلس ضحايا نتيجة انهيار إحداها، فيما المسؤولون عن إيجاد الحل بالترميم أو بالهدم، يتقاذفون كرة المسؤوليات؛ من الدولة إلى الوزارات المعنية إلى بلدية طرابلس ونقابة المهندسين… كل طرفٍ يرمي كرة المسؤولية في ملعب الطرف الآخر، بينما تتحمّل الناس وحدها- في مدينة العذابات والإهمال- الأكلاف الباهظة والثمينة… من أرواحها.

إلى ذلك، كلّف وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي لجنة تحقيق هندسية وفنية للتعمق بالكشف على المبنى، ورفع تقرير مفصل حول أسباب الحادث والمسؤوليات المترتبة عليه، ليبنى على النتائج المقتضى القانوني، مؤكداً أنه «سيتخذ أقصى العقوبات في حال ثبوت أي إهمال». وأجرى إتصالاً برئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الموجود في الجزائر، والذي كلّف الهيئة العليا للإغاثة الحضور ميدانيا والمساعدة. وقرر الحلبي تعطيل المدارس والثانويات والمعاهد والمدارس المهنية في طرابلس اليوم الخميس حداداً على الفقيدة.