22-نوفمبر-2024

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

منذ ان بدأت حركة حماس في خوض معركة «طوفان الأقصى» غير المسبوقة، والتساؤلات تلاحق حزب الله عما سيفعله من الجهة اللبنانية وهل يمكن أن يفتح الجبهة ضد الكيان الاسرائيلي أَم لا؟ ولعل هذه الأسئلة باتت أشد الحاحاً بعد الجولة البالغة الخطورة التي دارت امس على الحدود الجنوبية.

تعددت الاجتهادات والاستنتاجات الداخلية والخارجية في معرض محاولة تقدير سلوك حزب الله وسبر اغوار ما تفكر به قيادته المعنية مباشرة بما يجري على الحدود وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة انطلاقاً من العلاقة التحالفية مع «حماس» ومبدأ «ترابط الساحات».

البعض كان قد استبعد ان ينخرط الحزب على نطاق واسع في المواجهة الحالية تحسباً لكلفتها الهائلة، والبعض الآخر رجح ان ينضم اليها عاجلاً ام آجلاً لأسباب استراتيجية، خصوصاً بعد السجال الناري في الجنوب.

هذا القلق مما يمكن أن يفعله الحزب، دفع أوساطاً إقليمية ودولية الى التواصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سعياً الى «استشراف» حقيقة ما يضمره الحزب، ولطلب التدخل لديه من أجل التهدئة وثنيه عن التصعيد.

وضمن هذا الإطار، دخل الأميركيون والفرنسيون والمصريون واليونيفيل على خط التشاور مع السرايا، طالبين منع التصعيد عبر الحدود الجنوبية، ومدققين في الحدود التي رسمها الحزب لنفسه ضمن سياق «طوفان الأقصى»، في ما يبدو أنه مسعى للحصول على ما يطمئن الكيان الاسرائيلي الى مستقبل الوضع على حدوده الشمالية.

لكن الواضح حتى الآن إن الحزب لن يروي غليل المستفسرين عما تخفيه نياته المضمرة ولن يمنح أي تطمينات للمتخوفين من احتمال مشاركته الواسعة في الحرب، بل هو يتعمد ان يترك خياراته قابلة للتأويل بالترافق مع توجيه رسائل عسكرية وفق ما تقتضيه الظروف.

وهناك من يفترض ان الحزب لن يكون مضطراً الى الإنخراط الكامل في القتال وفتح الجبهة الجنوبية على مصراعيها ما دامت حركة حماس متماسكة ومسيطرة على الموقف بالاستناد الى إمكاناتها وقدراتها الذاتية، «أما في حال حصول خلل ميداني كبير فيبنى على الشيء مقتضاه.»
سيناريو آخر قد يدفع الحزب الى قلب الطاولة وهو ان يتجاوز جيش الإحتلال الخطوط الحمر لبنانياً، وينسف قواعد الإشتباك المتعارف عليها، وهذا ما لا يمكن أن يتساهل معه حزب الله كما تثبت التجارب.

ولئن كانت المقاومة قد نفذت رداً أولياً على استشهاد ثلاثة من عناصرها في الجنوب، من خلال قصف مواقع اسرائيلية في الجليل، إلّا أن الأرجح أن هذا الرد ليس نهاية المطاف بل هو يبدو دفعة أولى على الحساب، ما يستدعي ترقّب ما سيليه لمعرفة المدى الذي سيذهب اليه الحزب في جوابه العسكري على هذا الإستهداف الاسرائيلي الخطر الذي يشكل تجاوزاً فاقعاً لقواعد الإشتباك ومعادلة الردع.

وتؤكد أوساط قريبة من الحزب انه غير معني بتاتاً بمنح العدو أي ضمانات في ما خص نمط تفاعله مع معركة غزة المفصلية، معتبرة أنه يريد الإستحصال على مثل هذه الضمانات لكي يمعن في العدوان على قطاع غزة، من دون أن يكون قلقاً من أي رد فعل أو تحرك نوعي في الشمال، خصوصاً أنه يعلم حجم القدرات لدى الحزب.

وتشير تلك الأوساط الى أن الحزب كان حاسماً في الجزم بأنه لا يقف على الحياد، «أما الغموض الذي يكتنف موقفه الميداني حالياً فهو أحد أسلحته القوية في هذه المرحلة ولن يفرّط به ويسدي خدمة لأعداء المقاومة في الخارج أو الداخل.»

وتلفت تلك الأوساط الى أن الحزب يتصرف على أساس أن كل الإحتمالات واردة وأن التطورات الميدانية هي التي ستؤثر في تحديد طبيعة قراراته اللاحقة.
وتنفي الأوساط أن يكون الحزب قد قدّم لأحد أي التزامات أو وعود بعدم الإنخراط في المواجهة، مؤكدة أنه ليس في هذا الوارد.

وتوضح الأوساط الى أن الحزب أراد من خلال الرسالة الأولى المتمثلة في قصف المواقع الإسرائيلية في مزارع شبعا، إفهام العدو وكذلك إبلاغ الحليف الفلسطيني بأن المقاومة في أتم الجهوزية للتدخل عند الحاجة، «وهو اختار لتنفيذ ضربته منطقة لبنانية لا تزال تخضع الى الإحتلال وبالتالي يحق للمقاومة أن تنفذ عمليات عسكرية فيها لتحريرها، الأمر الذي يعكس تحسسه بالمسؤولية وحرصه على عدم التصرف بتهور.»

وتشدد الأوساط القريبة من الحزب على أن المقاومة تأخذ في الحسبان الوضع اللبناني والأزمة الإقتصادية، تماماً كما تواكب بدقة ما يحدث في غزة من موقع الشريك الإستراتيجي.»