22-نوفمبر-2024

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

قيل الكثير عن الأسباب الكامنة وراء «النقزة» التي أحدثها الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان لدى قوى المعارضة بالطلب من مجموعة من النواب الإجابة خطياً عن سؤالين يتعلقان بالمشاريع ذات الأولوية الخاصة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة، والصفات التي يجدر برئيس الجمهورية المقبل التحلي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع، مع أن «النقزة» تجاوزتها إلى «اللقاء الديمقراطي» ونواب «قوى التغيير» وعدد من المستقلين، في مقابل الانفتاح الإيجابي الذي أظهرته الكتل النيابية المحسوبة على محور الممانعة.

وتبين من خلال تقصي الأسباب التي كانت وراء توجّس قوى المعارضة من السؤالين اللذين أحالهما على الكتل النيابية للإجابة عنهما قبل 31 آب الحالي، أنها تعود في الأساس إلى مجموعة من الاستيضاحات المطلوبة من لودريان، وأولها: أين تقف اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر من رسالته إلى النواب؟ وهل يحظى بغطاء سياسي منها؟ ولماذا لم يدرجها في صلب رسالته بدلاً من أن يودعها بصفته موفداً خاصاً من الرئيس الفرنسي؟

فلودريان لم يكن في حاجة إلى «استجواب» النواب للإجابة عن سؤاليه، ما دامت اللجنة الخماسية في اجتماع ممثليها في الدوحة في قطر جددت تحديدها للمواصفات المطلوب توفرها في شخص الرئيس العتيد وللمهام المطلوبة بعد انتخابه، والتي جاءت نسخة عن تلك التي كان رسمها اجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية على هامش مشاركتهم في اجتماع الدورة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك.

وفي هذا السياق، قالت مصادر قيادية في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، إن لودريان كان أُبلغ، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، بتأييدها لما ورد في بيان اللجنة الخماسية في الدوحة، وبالأخص كل ما يتعلق بالمواصفات التي يُفترض أن يتحلى بها الرئيس العتيد وبأولويات مرحلة ما بعد انتخابه، والتي يُفترض أن تكون مدرجة على طاولة لقاءاته.

وسألت: هل المطلوب بطرح لودريان لهذين السؤالين على الكتل النيابية إدخال تعديل على السقف الذي رسمته اللجنة الخماسية التي فضّلت عدم الدخول في أسماء المرشحين، مع أنه يدرك أن المشكلة لا تكمن في الإجابة عن السؤالين، وإنما في مكان آخر، وما عليه إلا الالتفات إلى «حزب الله» الذي يصر على دعم ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ولا يرى بديلاً منه؟

كما سألت: أين يقف لودريان من هذه المواصفات؟ وهل أن المشكلة التي تعوق انتخاب الرئيس تعود إلى الخلاف حولها، أو أنها تتعلق بما لدى «حزب الله» من فائض قوة يحول دون بسط سيادة الدولة على كل أراضيها؟

وكشفت أن قوى المعارضة كانت أبلغت لودريان بأن لا جدوى من الحوار مع «حزب الله»، وبالتالي ليست في وارد الانضمام إلى لقاءات موسعة، وتفضل أن تُعقد لقاءات ثنائية لإخراج انتخاب الرئيس من التعطيل، وتنأى عن المشاركة في اجتماع موسع في حال توصل في زيارته الثالثة إلى بيروت إلى قواسم مشتركة بذريعة أن «حزب الله» ليس في وارد التخلي عن ترشيح فرنجية، إفساحاً في المجال أمام التفاهم على رئيس توافقي لديه القدرة على التواصل مع جميع الأطراف ولا يشكل تحدياً لأي فريق.

وأكدت أن قوى المعارضة لن تكون شريكاً في تقطيع الوقت بما يعوق انتخاب الرئيس لعل «حزب الله» يتمكن من تعديل ميزان القوى بما يسمح له بالتمسك بترشيح فرنجية. وقالت إن المشكلة لا تُحل باللقاءات، أكانت ثنائية أم ثلاثية أم موسعة، وإنما في تخلي الحزب عن سيطرته على زمام الأمور في البلد.

وعادت قوى المعارضة إلى السؤال عن الأسباب التي أملت على لودريان ترحيل زيارته الثالثة إلى بيروت إلى النصف الثاني من أيلول المقبل، وعن مدى صحة ما يتردد بأن هناك من نصحه بتأخير عودته لعل «حزب الله» ينجح في إقناع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بالاستدارة نحو تأييد فرنجية، في ظل ما يتردد بأن حوارهما بدأ يحقق تقدماً من دون أن يؤدي حتى الساعة إلى تبدُّل موقفه لمصلحة فرنجية.

ولفتت مصادر نيابية إلى أن حوار «حزب الله» – باسيل يمكن أن يحقق تقدّماً في الأيام المقبلة لجهة انضمام مسؤولين في الحزب إلى مسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا في محاولة لتسريعه لعل ذلك يدفع باتجاه الوصول إلى تفاهم، خصوصاً أن باسيل لم يقفل الباب في وجه البحث بترشيح فرنجية بعد أن أدرج اسمه على لائحة المرشحين للرئاسة بخلاف معارضته لترشيحه التي كانت وراء انقطاع تواصله مع الحزب.

ورأت أن «حزب الله» يحاول أن يعيد خلط الأوراق برهانه على تبدُّل موقف باسيل، وهذا ما يضع لودريان أمام واقع سياسي جديد لا يمكنه القفز فوقه في حال حسم أمره وقرر المجيء إلى بيروت كما وعد في ختام زيارته الثانية، أو ارتأى التريُّث في ضوء رفض قوى المعارضة، على اختلافها وتعددها الذي يحول دون توحدها، الخضوع لاستجوابه في معرض ردهم على السؤالين اللذين أودعهما لدى الأمانة العامة لمجلس النواب التي بادرت إلى تسليم رسائل في هذا الخصوص إلى الكتل النيابية.

ورغم أن قوى المعارضة على اختلافها ترحب بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها لودريان، فإنها لا ترى جدوى لأي صيغة تحاور مع «حزب الله» وحلفائه، وترى في المقابل أنه كان في غنى عن الإقدام على دعسة ناقصة تثير جملة من الشكوك لدى الأطراف المناوئة لمحور الممانعة، انطلاقاً من تفرّده بطرح السؤالين على النواب من دون أن يأتي على ذكر اللجنة الخماسية وموقفها منهما، خصوصاً أنه تحدث في زيارته الأخيرة وكأنه ينوب عنها في مهمته.

لذلك، فإن إغفال لودريان لأي ذكر للجنة الخماسية ودورها أثار ريبة مشروعة لدى المعارضة، وصولاً إلى سؤالها عن مدى صحة ما يتردد بأنه يسعى جاهداً لإحياء المبادرة الفرنسية بتجديد دعمها لترشيح فرنجية، رغم أنه لم يتطرق إليها في لقاءاته السابقة، وإن كانت لا تتوخى إصدار أحكام مسبقة على النيات، فهي في المقابل تحذر من أن يكون الهدف من طرح السؤالين تقطيع الوقت لإعطاء فرصة لإنضاج التسوية الرئاسية بين «حزب الله» وباسيل.