22-نوفمبر-2024

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

كان يفترض أنّ رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» السابق وليد جنبلاط تراجع إلى الصفوف الخلفية، وأخلى الساحة لنجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النيابي تيمور جنبلاط. منذ سلّم الراية قلّص اطلالاته وتصريحاته ليدلي أخيراً بموقف لافت عن فرص ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون للرئاسة: «جبران باسيل بدوش ياه… أنا بديش ياه؟». ما يمكن اعتباره تراجعاً بعدما كان جنبلاط أدرج اسمه على لائحة المرشحين المُحتملين.

لكن موقفه لا يلغي أنّ ترشيح قائد الجيش ما زال مدرجاً على قائمة الإحتمالات. فالمعلومات الأولية تقول إنّ اللجنة الخماسية ناقشت في اجتماعها الأخير ترشيحه برغبة من قطر مدعومة من أميركا ومصر، ولو أنّ الفرنسيين يربطون حظوظه بتأييد «حزب الله». تجمعه علاقة ودّ مع الثنائي، وتصرف المؤسسة العسكرية اعتبره ممتازاً لتجنيبه البلد قطوعاً أمنياً طائفياً خطراً.

الكل يضرب بسيفه بينما يلتزم العماد جوزاف عون الصمت ويتحضر للعودة إلى منزله في العاشر من كانون الثاني المقبل، إذا لم تعدّل ولايته لتمديدها فترة إضافية. فرضية غير مستبعدة، ولو أنّ القوى الأساسية التي يتوقف عليها أن تدلي بدلوها في مثل هذا القرار تعتبر أنّه من السابق لأوانه حسم الموضوع ما دامت لم تُسأل عنه.

يفرض منطق الأمور أن يكون قائد الجيش أقرب إلى الرئاسة منه إلى تمديد فترة خدمته، ولو أنّه شخصياً يرفض مقاربة الموضوعين معاً ويمارس مسؤوليته بعيداً عن الإستهلاك السياسي أو أن يدرج اسمه في بازار الأسماء المتداولة. يجزم عارفوه أنّ موضوع الرئاسة لا يدخل في حساباته، وأنّ قطر وإن كانت تسعى لترويج ترشيحه، لكنها لم تفاتحه في الأمر، خلافاً لما يتردد، ومثلها فرنسا. الساعة التي أمضاها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان تضمّنت عتباً على المسؤولين وشكوى من تقاعسهم في القيام بواجباتهم من دون أي موقف حول القيادة والرئاسة.

على عتبة كل انتخابات رئاسية صار تقليداً متبعاً أن يدرج اسم قائد الجيش في عداد الأسماء المتداولة، وإن لم يكن بخاطره فبحكم التجارب. بين قيادة الجيش والرئاسة علاقة حلوها مرّ بالنظر إلى أنّ كل قائد جيش هو الرئيس في بعبدا إلى أن يحصل العكس. تعدّدت التجارب وتوطدت العلاقة بين المنصبين. علاقة تكاملية بالنظر إلى كون رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة يسمي بنفسه قائد الجيش، فيكون ساعده الأيمن وعينه الساهرة على كل شاردة وواردة في الأمن. منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون وقبلها، كان من البديهي أن يكون اسم قائد الجيش بين الأسماء المتداولة للرئاسة الأولى حتى صار الحكم على سلوكه محكوماً بهذا الاستحقاق وتتم مقاربته انطلاقاً من مفاوضات الرئاسة وحساباتها.

ينتقد عارفوه التصويب عليه في الموضوع الرئاسي في حين أنّ خطواته وقراراته كلها تؤشر إلى أنّ الرئاسة غير مدرجة في حساباته، من حادثة الطيونة إلى بشري إلى الكحالة وصولاً إلى عين الحلوة. منذ 17 تشرين ولغاية اليوم لم يغيّر جوزاف عون سلوكه أو يقارب أمور مؤسسته العسكرية من المنظار الرئاسي ويزعجه الحكم على قراراته انطلاقاً من هذا المنحى.

في العاشر من كانون الثاني تنتهي ولاية جوزاف عون، ويغادر إلى منزله مرتاح الضمير. ليس معلوماً هل يعيّن خلف له؟ يفضّل رئيس الحكومة التعيين على عتبة نهاية ولاية قائد الجيش، وليس قبله تجنباً للإعتراض. حتى الساعة يصرّ وزير الدفاع على أنّ الأمر يحتاج إلى إجماع وطني غير متوافر بينما تنصحه المؤسسة العسكرية بتغليب مصلحة المؤسسة على ما عداها. من وجهة نظر أهل البيت، الفراغ في المؤسسة العسكرية عامل سلبي يرتدّ عليها في ظروف قاسية تتمكن القيادة من تجاوزها بالتحايل.

من دون إعلان مسبق، يعدّ ترشيح قائد الجيش تحصيلاً حاصلاً، وإن رسا التوافق على اسمه فسيكون مستعداً لتولي مسؤولياته، وحينها من البديهي أن تكون له شروطه التي يقبل الرئاسة على أساسها، وإذا لم يجد نفسه قادراً على تحقيق أي خرق فستكون له الجرأة على الانسحاب. فالرئاسة طلباً للقب ليست هدفاً، والمطلوب أن ينتخب الرئيس وفق تسوية تؤمّن له تأدية دوره.

كثيرون ينتظرون نهاية ولاية قائد الجيش ليخرج من نادي المرشحين، أو لا يستسيغون بقاءه في منصبه ولو على سبيل التمديد. المفارقة أنّ أولى المعارضات يمكن تلمّسها من داخل البيت الماروني، المنافس لجبران باسيل في عقر داره، وإن لم يكن مرشحاً، ولسليمان فرنجية كونه مرشح الثنائي الشيعي. الأول لم تسرِ الكيمياء بينه وبين قائد الجيش منذ اختاره ميشال عون، لرفضه أن يكون مطواعاً له، والثاني لم يبادر مرة تجاهه أو يبادله بالمثل في كثير من المناسبات. ترشيح «القوات» قائد الجيش لم يفده في حسابات الثنائي، والأحزاب المسيحية التي تدّعي تأييده علناً تعارضه في الخفاء، وتتمنى نهاية ولايته اليوم قبل الغد وفق انطباع المحيطين بالمؤسسة العسكرية.

كان كل طموح جوزاف عون أن يكون قائداً للمؤسسة العسكرية. ليس ضرورياً أن يحلم بالرئاسة كي يبلغها بعدما صارت الرئاسة في لبنان وليدة التسويات، وحينها يصبح المستحيل ممكناً، فكيف اذا كان ترشيحه غير مدرج في خانة المستحيل.